إذا كان فوز الأفلان في تشريعيات العاشر من ماي، حقيقة توقعها أغلب المحللين السياسيين، فإن المفاجأة الكبرى كانت حصده ل220 مقعدا في البرلمان الجديد، الأمر الذي لم يهضمه المنافسون على اختلاف تياراتهم ومشاربهم. وإذا ما أردنا أن نبحث عن سر الفوز الساحق الذي حققه الأفلان في موعد العاشر من ماي، فإننا نجده متمثلا ببساطة في الفعل النضالي الذي خاضه أبناء الحزب العتيد على مختلف الجبهات والمستويات منذ أمد بعيد، مما جعل أغلبية الناخبين من الشعب الجزائري يجدد الثقة القوية في منطلقاته الفكرية النوفمبرية ومبادئه وقيمه الروحية ومناهج سياسته الواقعية التي تضع أسمى أهدافها في خدمة المواطن والوطن. ولئن كان من غير الضروري، التذكير بكل العوامل التي أدت إلى الانتصار الباهر والمتميز للأفلان مرة أخرى، فإنه يتعين التأكيد فقط على أن الشعب بنتيجة تصويته التي لا تشوبها شائبة أو يرقى إليها الشك، كما يحاول الفاشلون والراسبون في امتحان الصندوق الشفاف تصويره للرأي العام الداخلي والخارجي، قد جنح إلى السلم والأمان والاستقرار الذي يشكل الأفلان أحد رموزه البارزة في الساحة الوطنية. لقد اختار الجزائريون القيام بربيعهم الديمقراطي السلمي، عندما قالوا كلمتهم عبر الصندوق وبشفافية لصالح الأفلان لقيادة هذا الربيع الذي يتجلى مضمونه في استكمال الإصلاحات التي شرع فيها في كنف التدرج والهدوء، بعيدا عن التسرع والارتجال، وعن أية فوضى دامية ومدمرة. إن المشككين في حقيقة وواقعية فوز الأفلان، أسقطت شهادات المراقبين الدوليين والأوروبيين والعرب والإسلاميين والأفارقة كل مبررات شكوكهم في حدوث التزوير، حيث شهدوا بشفافية ونزاهة وحرية وديمقراطية الانتخابات التشريعية، التي عبر فيها الناخبون عن إرادتهم وبوؤوا الأفلان الصدارة. قد نتفهم لجوء الخائبين يوم الاقتراع إلى تعليق خسرانهم على شماعة التزوير الموجود فقط في مخيلتهم، لكننا لا نفهم رغبتهم في اقتسام كعكة البرلمان بالنسبة أو القسط الذي يروق لهم، دون أن يمنحهم الشعب من خلال الصندوق الشفاف الحق في ذلك. ودون الخوض في ادعاءات المقاطعين والمهللين والمطبلين لضخامة نسبة الامتناع عن التصويت والعزوف عن عملية الاقتراع والمشككين في سلامة وصحة ونزاهة التصويت، فإن ما أعطاه الناخبون للأفلان، لا يعتبر فقط تشريفا لهذا الحزب الذي أثبت جدارته واستحقاقه للثقة الممنوحة له، وإنما أيضا يعتبر تكليفا من الشعب برمته لقيادة المرحلة الجديدة. إن هذا التشريف وهذا التكليف معا يشكلان اليوم في منظور حزب جبهة التحرير الوطني، مسؤوليات مضاعفة ملقاة على عاتقه، حتى في حال عقد تحالفات طبيعية وموضوعية مع أحزاب أخرى، فالمهام المستقبلية التي سيتولاها الأفلان، ليست بالسهلة ولا باليسيرة، كون الأمر يتعلق أولا بتعزيز المسار الآمن والسلمي لمسار الإصلاح الشامل والجذري، الذي ينتظره الجزائريون، الذين لا يريدون أبدا العودة إلى مربع العنف والخراب، بل يتوقون إلى النهوض التنموي، الذي يبعدهم عن كل الضغوطات ويجعلهم قادرين على التحكم في مستقبلهم ومصيرهم. إن الذين يرون في فوز الأفلان الساحق بالتشريعيات ردة أو تراجعا، ويملأون الساحة عويلا وضجيجا، يقيمون الدنيا ولا يقعدوها، تباكيا وخوفا وتخوفا على التغيير والإصلاح، هم في الواقع واهمون ومخطئون وغير واقعيين لسبب بسيط، وهو أنهم ليسوا مقدرين ولا مثمنين، بل وجاحدين وناكرين لكل ما قام به الأفلان من إنجازات على درب ترسيخ الديمقراطية التعددية، وتكريس الحريات العامة، الفردية والجماعية، وترسيخ حقوق الإنسان، وعلى طريق إحداث التغيير المطلوب شعبيا، وتجسيد الإصلاح المنشود سياسيا اقتصاديا، اجتماعيا وثقافيا. إننا نعتقد جازمين اليوم بأن الأفلان لن يدخر جهدا في سبيل أن يكون عند حسن ضن كل الشعب الجزائري وأهلا للتشريف الذي منحه إياه في التشريعيات، وقادرا على تحمل المسؤولية الكبيرة التي كلف بها في فترة ما بعد 10 ماي 2012?