كلمني أحدهم من الإمارات العربية المتحدة ، قائلا : هل فعلا رفضت الحكومة الجزائرية المساعدات التي قدمها الهلال الأحمر الإماراتي لضحايا فيضانات غرداية ؟ وكان ردي تلقائيا أنه مستحيل أن ترفض الجزائر مساعدات الأشقاء بل ترحب بها أيما ترحيب. قم قال لي : إذن نحن لسنا مقصودين بتصريحات رئيس الحكومة الأخيرة. ؟ وبكل صراحة كان السؤال محرجا ، وليس ممكنا أن يضع الإنسان نفسه ناطقا رسميا باسم الحكومة، رغم أن الدول ككل بحاجة إلى ما يسمى " الدبلوماسية العامة ". ثم طوينا الموضوع بشكل فهمه صديقنا أن " الإمارات ليست معنية أصلا بهذه التصريحات ". والقضية كلها أن جريدة جزائرية نشرت يوم أمس خبرا في صدر الصفحة الأولى عنوانه " الجزائر لم تطلب مساعدات أجنبية لمنكوبي غرداية ". ولأن الإمارات هي الدولة العربية والأجنبية الوحيدة التي قدمت مساعدات لضحايا فيضانات غرداية، فهم الإماراتيون أنهم معنيون بالموضوع. وعندما نقرأ الخبر ، نجده يقول أن رئيس الحكومة حذر الجمعيات من طلب المساعدة لضحايا فيضانات غرداية من جهات أجنبية، لأن الظروف المادية للجزائر عام 2008 تختلف عن ظروفها عام 2001 و 2003 . والقضية هنا واضحة : هناك تحذير للجمعيات. وهذا لا ينبغي تفسيره بالضرورة أنه رفض للمساعدات إذا جاءت بطيبة خاطر وحسن نية مثلما يحدث مع أشقنا العرب جميعا. وهي المرة الثانية تقريبا التي تبادر فيها الحكومة إلى " توجيه رسالة توبيخ للمجتمع المدني " بعدم التعامل مع الأجانب في حدود غير معقولة. فالمرة الأولى كانت بشكل صريح في عهد عبد العزيز بلخادم حينما شنت الداخلية حملة على المتعاملين مع السفارة الأمريكية ويتناقشون في قضايا ليست من اختصاصهم. والحقيقة أن المساعدات الأجنبية في حالة الكوارث الطبيعية نوعان : نوع يأتي بعد جرد الحكومة أو الهيئات الرسمية المكلفة بهذه الكوارث مثل الهلال الأحمر الجزائري احتياجات غير متوفرة في البلد أو غير كافية بالنظر لحجم الكارثة، سواء أكانت الإحتياجات مادية أو مساعدات فنية أو بشرية، ثم يطلب من الدول الصديقة والشقيقة تقديم يد العون والمساعدة. وهناك مساعدة أخرى ليس بالضرورة تطلبها الدولة أو هيئات محددة، وهي تلك التي تأتي خاصة من دول شقيقة، وتبادر بدون أي طلب، ولا ترغب من وراء ذلك لا جزاء ولا شكورا، إنما تهدف تحسيس تلك الدول وذلك الشعب بعمق التعاطف والمحبة، والتأثر بما حصل، وتكشف عن استعدادها للوقوف إلى جانب الدولة والمتضررين والضحايا بكل ما استطاعت. ومن مثل هذا النوع الثاني تلك المساعدات وتلك الهبات التي دأب الهلال الأحمر الإماراتي يقدمها للجزائر في حلة الكوارث الطبيعية ، مثل فيضانات باب الواد، وزلزال بومرداس. وبخصوص فيضانات غرداية فإن الهلال الأحمر الإماراتي – حسب الصحافة الجزائرية – يعد الهيئة العربية والأجنبية الوحيدة التي قدمت مساعدات ب100 ألف دولار. ولا أعتقد إطلاقا أن الشعب الجزائري يرفض كل ما من شأنه تعزيز أواصر الأخوة والمحبة بين الشعوب العربية قاطبة.