{ فجاءته إحداهن تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين. } صدق الله العظيم القصص الآية 25 في متابعة لتدحرج آراء وكلمات وكتل وتكتلات صخَّابة تتطلع إلى مكانة ومهابة وتكوين مساحات " صراع بلا جدوى ولا إمتاع" بين الذكورة والأنوثة، حول التحرر من الذكوري والثورة عليه، والأدب النسائي ما له وما عليه، وجدتني أمام سؤال ذي فروع، أو أسئلة ذات جذر واحد وربما جذع واحد، أبدأ مقاربتها بسؤال يدهشني قبل أن يدهش سواي: ترى.. هل كانت القصة الأولى التي تُروى لنا عن هبوطنا أو طردنا من ملكوت السماء إلى ناسوت الأرض والشقاء، أعني قصة الشجرة والتفاحة.. آدم وحواء، هي قصة آدم أم قصة حواء، أتراها بدأت منه أم منها، بسببه أم بسببها، ومن ثم لمن تنسب أولاً، ومن المتأثر بخطيئتها وأخطائها.. هو أم هي، أم هما شركاء وفي المحنة والامتحان سواء؟! ما يقال لنا: إن إبليس أغراهما فأكلا من الشجرة التي نهيا عن أكل ثمرها فأبصرا ما لم يكن منهما موضع عيب وتركيز نظر من قبل، فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، ثم دفعا وإبلبيس إلى الأرض بعضهما لبعض عدو. وقد بدأ، منذ ذلك الوقت الأقدم في تاريخ الوجود البشري، الاستغراق أو الغرق في معطيات الحياة والتعبير عن ذاتهما ومعاناتهما، وسرد القصص والحكايات ورواية الحوادث والوقائع، وتدبيج الشعر والروايات، بفن وإبداع أو من دون فن ومن دون إبداع، وفق تقنيات المسرحية أو الملحمة أو القصة والرواية..إلخ، وتركَّز معظم ذلك الأداء حول ما يربط بين قلبين أو ما يفصل بينهما، ما يجمع بين جسدين أو ما يفرق بينهما. ولا يعرف تاريخ الحب والأدب والفن، حتى الآن، كيف تتكون ثم تنطلق شرارة العلاقة البديعة أو الفظيعة بين رجل وامرأة، ولا كيف تنتشر في مناخ ذي كيمياء خاصة لتكوِّن نطفة العلاقة الاجتماعية وخلية المجتمع الأولى من جهة ولتلوِّن الحياة والعالم من جهة أخرى بلون عينين وقلبين وروحين وعقلين وبما ينتج عن تلك العلاقة ويؤثر في الرؤية والرأي والإحساس؟! كل ما نعرفه بشيء من اليقين والثقة والدقة: أن ذلك قائم، وأنه لم ينقطع، وأننا بحاجة إليه، وأنه جزء عضوي أساسي من الحياة لا تستقيم إلا به، ومن ثمة فقد يستمر من دون توقف.. وأن ذلك يحتاج إلى الجنسين: الذكر والأنثى، في وحدة اجتماعية حيوية " أسرة" وتفاعل وحياة، تتدفق منها وتنمو من حولها الأحداث والمشاعر والمواقف والصراعات، بكل ما فيها من حلاوة ومرارة. وعند عتبة هذا الفن العذب: السرد العامر بالتخييل الغامر بالمسرة والعاطفة والتشويق، الذي يحتفي به كثيرون ويتحدث عنه كثيرون أيضاً، ويبدون الاهتمام به وبأهله، أحب، بصفتي أحد المسحورين المبهورين في آن معاً بألوان من السرد الرفيع، أن ألقي بعض تمائمي وصلواتي وأسئلتي وكل بقايا الودع الذي تزعم ضاربات الرمل وقارئات الفأل أنهن يستشرفن بعيونه وتشكُّلاته مع الحصى والخرَز ورقائق العظام، ما هو مخبأ لنا غائب عنا ولكنه ينتظرنا عند مفترق زمان ومكان، فعند عتبة فن القص أو السرد هذا تبدأ فنون وتنتهي فنون وقد تبدأ شجون وتنتهي ظنون. أولاً ما هو المقصود بالأدب النسائي؟! هل هو ذاك الذي تكتبه المرأة أم ذاك الذي يُكتب حول المرأة؟! وهل هناك خصائص فيما تكتبه المرأة عن المرأة تجعله أقدر على الوصف والرصد والغوص والتحليل والإبانة مما يكتبه الرجل عن المرأة؟! أم هي النفس البشرية المتخلقة من ذكر وأنثى القادرة على أن تتواصل وتتعامل وتتفاعل مع نفس بشرية أخرى، فتقص وتسرد، فتبدع من دون قيود، وتتجاوز الأسوار والأسرار والحدود، وتقدم صورة الإنسان في بيئته الاجتماعية وتغوص في مشاعره وأعماقه الروحية والنفسية من خلال شراكة في الجوهر والعَرَض، تصقلها التجربة الإنسانية، ويجسدها الوعي المعرفي وامتلاك ناصية التعبير، بياناً ساحراً، في تقنية فنية عالية؟! لا أظن أن سؤالي يخفي ميلي وهواي أو يلفِّعهما بظلْمة وضباب أو بسُجف منهما: فأنا أفضل الحديث عن الأدب بصرف النظر عن منتجِه، رجلاً كان أم امرأة، وهذا لا يقلل من شأن المرأة ولا من مدى مشاركتها في إنتاج الأدب والإيحاء به وتفجير ينابيع العطاء في جنَّاته، ولا يشكك في قدرتها على ذلك بإبداع. قد يكون مسوَّغاً إلى حد كبير الكلام والبحث في مجالات العطاء النسوي، ومن هذه المجالات المجال الإبداعي، لتشجيع المرأة على خوض غماره بشكل أشد عمقاً وكثافة وأكثر سعة وشمولاً، وما ذهبت إليه لا يرمي إلى إلغاء هذا الاهتمام ولكنه يرمي إلى التدقيق والتمحيص والدخول في الرؤية الموضوعية حتى لا نضطر إلى تقطيع أوصال لا تقوم الحياة مع تقطيعها، لا سيما إذا ما اتسع مدى ذلك وأصبح تياراً يدحرج دعوة ضعيفة الأسس وقد يتخللها الكثير من الادعاء.. ونحا منحى يصل حد الشذوذ في حالات يتم فيها التركيز على " صراع" بين الذكورة والأنوثة، ودعوة إلى تلخيص الحرية والتحرر في خروج " نساء على الخصوص" على ما رسمته الطبيعة وليس البشر، بذرائع شتى يعوزها المنطق لتنفع وتقنع، وينمو تحتها تحريض غريب للمؤنث على المذكر وكأنهما في احتراب.. فتهيج ألسنة بالدعوة لرفض هذا المذكّر الذي نسأل من هو في النتيجة للمؤنث؟ أليس الأب أو الأخ أو الابن أو الزوج أو الحبيب.. إلخ فمن من أولئك الخصم الذي يُرفض ويحارب، ومن تراه المقبول، وبأية وضعية وصفة؟ ومع من تقيم الأنوثة علاقة منشودة وحميمة تملأ القلب وتنعش الروح وتعطي للحياة معنى، مثل الحب والأسرة، هي مادة السرد الفني وعصب العيش.. إذا لم يكن مع الرجل الشريك الذي لا يمكن لأنثى سوية الاستغناء عنه، كما لا يمكن لذكر سوي الاستغناء عن الأنثى!؟ وإلى من توجه " ثورة الثائرات والثائرين" الذين يلجأ أحدهما للآخر في نهاية كل عراك أو تظاهر بالعراك؟ من ثم، وما هي نتائج هذا النوع من الضلال أو التضليل أو التمويه.؟ وفي تفريع لهذا السؤال، يتعلق بالشخصية الموحية والمحببة والمغرية بالمتابعة والإتباع، من داخل دائرة الكتابة والإبداع، أتساءل: ما هو المغري في فن القص بالحوار أو القص بالسرد وعالمهما: أهو الموضوع أم الشخصية؟ وإذا كانت الشخصية هي المغرية، أهي شخصية المرأة أم شخصية الرجل يا ترى؟! هل شهرزاد أم شهريار، ذات الهمة أم السيد البطال، ليلى أم المجنون، عبلة أم عنترة، أنطوني أم كليوباترا، أنتيغونا أم كريون، الأم أم ابنها بافل عند غوركي، نساء لوركا في بيت برناردا ألبا أم الحضور الصاعق لبيبي الرومانو الذي لا نراه أبداً وإنما يشغلنا الإحساس به وتأثيرُه المهيمن الفتاك في بنات برناردا وبيتها من دون استثناء، رجال كافكا في القضية أم نساء سارتر في الجحيم، ناتاشا أم فيودور عند دستويفسكي؟! إن ذلك الموضوع غني بالمعطيات والمتضادات وإذا فُتح قد لا يُغلق، شأنه شأن الحياة التي يبرز فيها صراع الأحياء ويشكل تياراتها وتستمد غناها من تلاطم أمواج تلك التيارات، وتؤسس كلَّ حركة وكل رغبة وكل حاجة وكل مصلحة ونزوة من مخلوق فيها لفعل في السياق ذاته يولد فعلاً آخر قد يكون مناقضاً لنظيره موازياً أو مزامناً له في الحدوث من مخلوق آخر، هو المكمل له في جنسه، والمؤسس المثمّر لمتعته ولحظته المشعة أو الكابية، والمكوِّن معه لأزمته أو نهايته المأساوية المفجعة، والمؤسس لجنته وجحيمه وبقائه وفنائه، والشريك في المحنة والمتعة والامتحان والحل.. في الشرط والمصير الإنسانيين؛ إنهما أنا وآخر يكوِّنان نعيماً أو جحيماً معاً، وليس لهما فكاك من شراكة الحياة والموت والسعادة والمعاناة والحب والمتعة والحرية المؤسَّسَة على مسؤولية والمؤسِّسَة لها ولموقف ورؤية، لتتشكل بذلك ومنه مقومات الصراع وأسبابه في وحدة أضداد، لا يكون صراع ولا تشويق ولا تراجيديا.. ولا تكون حياة ولا تكون إثارة ولا تشويق ولا إبداع ممتع ولا متعة، أو إعمال للفكر وإغناء له وسمو به.. من دون ذلك. ثانياً: هل امتلك " الأدب النسائي " مفهوماًً خاصاً وتمايزاً تاماً، بين المفاهيم والمصطلحات والمواضيع، ليس في النقد الأدبي فقط وإنما عند جماهير القراء أيضاً، لكي يقيم عالماً خاصاً به؟ وهل وجدت فيه تلك الخاصيات أو تلك المقومات التي لامست في المتلقي شيئاً وتركت لديه أشياء تجعله يدرك خصوصيتها ويبحث عنها ويتعلق بها ويتعشًّقُها ولا يجدها في سواه؟ أم أن ذلك أمر ملتبس أو يُراد له أن يكون ملتبساً، ويحتاج إلى اهتمام نقدي وتمحيص وتدقيق وترويج إعلامي ومتابعات متنوعة، تُبرز جوهره الكامن في الإبداع أو لدى المبدعات، حيث يتشكل اقتناع بإمكانية تحققه وتمايزه؟ وهذا الجهد المبذول في هذا الاتجاه هنا هو تطلّع يرمي إلى تبيُّن ذلك والتيقن منه والثبات عليه والدفاع عنه، ومن ثمة إيصاله إلى من ينبغي إيصاله إليهم بقوة وحماسةٍ؟ وهل تراكم لدينا يا ترى إنتاج في هذا الجنس الأدبي " الأدب النسائي"، له من الكم والكيف والتنوع والتمايز ما يسمح بتقصي خصائص وبلورة خصوصيات ومفاهيم من هذا النوع؟! وهل ذاك مقصود لذاته وفيه منافع للإبداع والناس؟! إن ما ذكرته لا يرمي إلى أي نوع من أنواع المصادرة أو الانتقاص من التوجه والتجربة والطموح، ولا إلى رفع إشارة من أي نوع في هذه المسالك والسبل تحدد توجهاً للسالكين أو تشير إليه أو تقوِّمه، إنما ذكرت ذلك للتبصّر في دعوى وادعاءات، ولكي أنعش مناخ الحوار المنطقي الهادف المسؤول وأزيد في انتعاشه وواقعيته ومسؤوليته درجة، ولأصل ويصل غيري إلى أجوبة مقنعة على أسئلة تولد في فضاء العقل والروح وتدوّم في ذلك الفضاء وغيره من فضاءات المجتمع والعصر، ولكي استنهض همماً تُقبل على الإبداع والنقد الموضوعي والقراءة الواعية، وترفض صناعة الإشاعة وأيديولوجيتها وترويج بضاعتها، تلك التي أصبحت تبرمَج وتروَّج وتكوِّن أعلاماً ومناخاً ودوامات إعلام ثقافي واجتماعي، يغزو مساحات عقول تتلقى تحت تأثير غيبوبة وعي وهالات وعصي غليظة وغياب حوار يستند إلى منطق عقل نقدي ومعرفة ناضجة، كما يغزو ساحات سياسية لا تقرأ ويقيم فيها صروح أوهام خاوية تفلق الهام، ودوامات مشكلات أوهى من خيوط العنكبوت.. وأدعوها على التبصر والتحليل والتعليل والجرح والتعديل بموضوعية يستدعيها العلم ولا يستقيم الإبداع وينفع ويؤتي ثمراً شهياً ويرتفع بالناس إلا بها.. وإلى اهتمام جاد يقود إلى الإغناء والاغتناء.. بعيداً عن ضجيج وعجيج تدحرج "كتل" من نوع ما يدفعها الغرور والرغبة في الظهور، والحماسة لحرية لا تفرق بين التحرر البناء والانحلال المدمر.