كتبت يوم الخميس الماضي، مقالا بعنوان : برقية عاجلة لأمير قطر، أقترح عليه دعوة رئيس إيران ورئيس فنزويلا وبوليفيا وتركيا لحضور القمة المقررة في الدوحة.. من باب أنهم أصبحوا عربا أكثر من العرب بمواقفهم الجريئة. والحمد لله أن غياب دولا عربية ذات وزن عن قمة غزة عوضه حضور رؤساء غير عرب من الوزن الثقيل وعلى رأسهم الرئيس الإيراني. إن قمة غزة .. نحمد الله أنها لم تكن قمة عربية ، وتحولت إلى قمة " تحمل إسم قمة غزة " .. لأن الجرائم الصهيونية في حق شعب أعزل في غزة تستحق قمة لكل الأحرار والشرفاء في العالم .. لقد أراد الله أن لا تكون قمة الدوحة قمة عربية يجلس المتواطئ مع الصهاينة والمؤيد للمقاومة والمقاوم على طاولة واحدة. لقد أراد لها الله ومسار التاريخ أن تكون قمة للفرز بين " العربي المتصهين "، والفلسطيني المتآمر، وغير العربي المستعرب .. وبين العربي الأصيل المتمسك بعروبته وانتماءاته وما تمليه عليه رابطة الدم والدين والإنسانية ، وبين الفلسطيني المقاوم والمتمسك بحقوقه الوطنية كاملة غير منقوصة ، مستأثرا الشهادة على حياة " الكلاب البرية العربية " لأن الكلاب الغربية تعيش فوق خط الفقر المحدد للرجل العربي. يكفي قمة غزة هكذا نتائج .. الفرز بين من هم معك ومن هم ضدك .. ففي الحرب ليس هناك مجال للحياد بين الأخوة والأصدقاء .. فالحياد يصبح خيانة. ويكفي قمة الدوحة .. قمة غزة ، أن قطر وموريتانيا قد قررتا تجميد علاقاتهما مع إسرائيل، وهو مطلب الشعب العربي من الحدود إلى الحدود، بل هو مطلب المقاومة الفلسطينية نفسها التي تدافع عن كرامة الأمة كلها من الحدود إلى الحدود أيضا. ألا يستحق الشعب العربي كله، والمقاومة الباسلة في غزة الإستجابة لها بمطلب كهذا، وهو ما هو عليه من البساطة ، لو حضرت الإرادة والرغبة. لكن أنظروا للمستوى الذي وصل إليه النظام الرسمي العربي ، فبعد أن تراجعت المملكة المغربية عن المشاركة في قمة الدوحة بسبب رضوخها لضغوطات مورست عليها ، تراجعت ثم شاركت بوزير خارجية، ثم أعلنت عن قطع علاقاتها .. مع من ؟ ليس مع إسرائيل .. لقد قطعتها مع فنزويلا .. مدعية أن سبب ذلك هو إقامة كاركاس علاقات مع الصحراء الغربية.. لكن الحقيقة أن هذا القرار جاء كرد فعل على قطع كاركاس علاقاتها مع إسرائيل .. ونتمنى أن تقطع علاقتاها أيضا مع موريتانيا ومع الدوحة ومع بوليفيا وغيرها من الدول. لقد قال كثير من المحللين أن قمة الدوحة كرست الإنقسام العربي حتى لو أطلق عليها قمة " غزة "، والحقيقة أن لدي رأيا مغايرا. فقمة الدوحة ليست سوى قمة الفرز. فالعربي الذي لم ينتفض بسبب المجازر التي يتعرض لها عربي مثله يجب أن نثبت عروبته أولا عن تحليل الحمض النووي " الأدي أن ". لذلك سقطت أوراق التوت بشكل نهائي .. فالرئيس السوري بشار الأسد كان محقا وألف محق عندما غير بوصلته باتجاه طهران، وأبرم معها اتفاقية الدفاع المشترك .. فمهما كانت انتقادات بعض الدول العربية على الوجهة الجديدةلبشار الأسد، فإن التاريخ أثبت أنه أصاب، فلول ساير عواصم عربية توصف بالكبرى لأبرم اليوم اتفاقيات استسلام مع إسرائيل. أنا شخصيا أتمنى أن يجد القادة العرب وقادة الدول الإسلامية المشاركة في قمة غزة، أن سبيلا لخلق تكتل لهم، ويوقعوا فيما بينهم اتفاقية الدفاع المشترك، فلم تعد تنفع اتفاقية الدفاع المشترك العربية : فالعراق دليل رقم 1، ولبنان دليل رقم 2، وغزة دليل رقم 3، وتجربة الرئيس السوداني عمر البشير الذي حركت ضده دعوى لمحاكمته في محكمة الجنايات الدولية دليل رقم 4 ، واحتلال الصومال دليل رقم 5 .. هذه بعض الأدلة ..التي تدعو بشكل فوري للتوقيع على اتفاقية دفاع مشترك مع دول أخرى .. إن الصهيونية الدولية اليوم لن تتوقف عن غزة .. ستتصل لبلدان أخرى .. وعلى هذه البلدان أن تستعد من الآن للدفاع عن نفسها. إن قطر مثلا .. ستجد نفسها في محيط خليجي " معادي " أو " شبه معادي " على الأقل، وإن التوقيع على اتفاقية دفاع مشترك مع إيران وسوريا أضحى مهما للغاية. واتفاقا كهذا يعد انتصارا تاكتيكيا للدوحة، وانتصار استراتيجيا لطهران ودمشق. ومن نتائج قمة الدوحة أيضا، بروز أسس جديدة للتعامل الواعي مع إسرائيل، تجلت في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد. إنها منظومتنا التربوية ، من خلال تعليم أبنائنا التاريخ الدموي لبني صهيون، وتعليمهم المجازر البشعة التي ارتكبوها في حق الأطفال، يجب تعليمهم أن اليهود ليسوا قوم سلام، وأنهم يكرهون العرب والإسلام والمسلمين، ويتجهون فقط نحو قتلهم وإبادتهم، وأن أمريكا والدول الغربية هي التي ترعى هذا المجرم وتدافع عليه. دعونا من النفط ومن الحرب ومن أشياء أخرى .. أليس مشروع الشرق الأوسط الجديد أرغم منظمة التحرير الفلسطينية عقب اتفاقيات أوسلو عام 1993 لتغيير ميثاقها وإلغاء المادة التي تقول : " سنلقي إسرائيل في البحر "، مجرد مادة، فماذا لو كان منظومة تربوية كاملة. عشية اجتماع الأحزاب اللبنانية في الدوحة ، سمعت رئيس البرلمان اللبناني السيد نبيه بري يقول : " إن أول الغيث قطرة .. فماذا لو كان أول الغيث قطر " ؟ إن قمة غزة هي أول الغيث بعد عهود من الإستسلام .. وأول الغيث قطر. إذا كانت المقاومة اللبنانية التي حررت الجنوب عام 2000، وهزمت الصهيونية في حربها الوحشية عام 2006، وصمود المقاومة الفلسطينية عام 2009 وانتصارها أيضا انتصارا تاريخيا باهرا على بني صهيون ، هي إعلان عن نهاية عصر الهزائم العسكرية للعرب، فإن قمة الدوحة ، قمة غزة، ستكون بمثابة إعلان عن نهاية الهزائم السياسية للعرب أيضا. عش عزيزا .. أو مت وأنت كريم.