ارتأى الأرسيدي أن تعتلي مقراته الراية السوداء في مكان الراية الوطنية التي ترمز لوحدة الشعب ونضالات أبنائه، والتي تمثل عنوان الحرية والسيادة، إذ تتجاوز في رمزيتها تلك القطعة من القماش ، فهي ذات مضامين تتصل مباشرة بجوهر الدولة وهيبتها ، ولذلك اعتبر العلم الوطني واحدا من الرموز الوطنية التي يجرم القانونن كل من يسيئ إليها أو يعتدي عليها. لقد أبى حزب سعيد سعدي إلا أن ترفرف فوق مقراته تلك الراية السوداء، بكل ما يرمز إليه اللون الأسود من حزن ! ويبدو أن الأرسيدي قد سكنته الأحزان نتيجة إخفاقاته السياسية المتكررة وفشله الذريع في إمكانية إقناع، ولو جزء قليل من الشعب الجزائري، بطروحاته البائرة التي لم تجد من يقبل عليها ولو من باب الشفقة، ولذلك أصابته الإنتكاسة، فلم يجد أفضل من أن يستبدل الراية الوطنية بتلك الراية السوداء التي تتنفس حقدا وكراهية، حتى وإن كانت تنطق بإفلاس أصحابها ودرجة الحمق التي تمكنت منهم. الراية السوداء التي تلبسها سعيد سعدي وأتباعه هي العنوان الصارخ لسياسة العبث والإستفزاز والتهريج واليأس، وقد كان الأحرى أن يعلن الأرسيدي بنفسه عن نهايته، وهو المنتهي أصلا، ويرفع الرايات البيضاء اعترافا بأن السياسة التي يعتمدها لن يكون مآلها إلا تلك الراية السوداء التي تعبر عن أحزانه، وأن طروحاته الدخيلة على المجتمع الجزائري لن تلقى إلا نفس المصير. يعلم سعيد سعدي أن الرايات التي اعتلت بناياته هي إشهار علني للشعب الجزائري، حتى يعرف بأن الأرسيدي الذي يتلقى الضربات في كل الإستحقاقات، قد رمى المنشفة أخيرا وأقر بهزيمته بطريقة فيها من الغرابة والإثارة ما يشد الأنظار. قد يكون ذلك الحزب من خلال راياته السود، قد أراد إثارة الإنتباه إليه، بعد أن أصبح نسيا منسيا ، وقد يكون القصد من خلال ذلك الفعل المشين، هو البحث عن شفقة الجمهور، وهو في ذلك مثل الغريق الذي يبحث عن قشة، قد يمسك بها، فإذا به يزداد غرقا. لقد أراد سعيد سعدي إقناع الشعب برايته السوداء، والشيء من معدنه لا يستغرب .. ! تلك هي البضاعة السياسية التي يريد ذلك الحزب تسويقها في محاولة منه لترويج الحزن ونشر " الحداد ". إن كل الدلائل تؤكد أن سعيد سعدي يعيش حالة من التخبط ، فإذا هو يأتي بكل غريب وعجيب من القول والفعل، ولذلك لا نجد تفسيرا لما أقدم عليه سوى إنه يعيش في محنة، نتمنى له أن يشفى منها، حتى وإن كنا ندرك أن الحماقة قد أعيت من يداويها. وإذا كان سعيد سعدي قد أراد من خلال راياته السود أن يلفت الأنظار إليه وإلى حزبه، فإنا ننصحه، خاصة وهو الديمقراطي الكبير، أن يعمد إلى نشر الرايات البيضاء في كل مقراته للإعلان عن الهزيمة المشهودة. أما العلم الوطني، الذي له رمزيته وقدسيته عند جميع الجزائريين ماعدا أولئك الذين وضعوا أنفسهم على الهامش، فإنه أكبر من أن تنال منه تصرفات حمقاء وطائشة، تؤكد أن مرتكبيها لم يجدوا سبيلا للانتقام من الشعب سوى أن ينتقموا من رايته الوطنية.