قبل يومين من الإنتخابات الرئاسية وجه زعيم جبهة القوى الإشتراكية السيد حسين آيت أحمد رسالة إلى المناضلين والمواطنين يحثهم على مقاطعة الإنتخابات، والمقاطعة في نظره هي الوسيلة المثلى للتغيير. وقال الدا الحسين في رسالته أن السلطة ميؤوس منها وأن الأمل باق في كل واحد منا. ورغم أن شريحة واسعة من الجزائريين توافق آيت أحمد وشخصيات أخرى على بعض تشخيص الوضع في بعض جوانبه، فإن المشكلة الجديدة التي أصبح الجزائريون يعانون منها، وهي " عقم " النخبة السياسية، سواء أكانت في السلطة أو المعارضة .. لكن إذا كان السلطة الحاكمة عقيمة .. فإنه تغييرها يصبح واجب وطني، لكن كيف يكون التغيير ؟ التغيير يكون بالآليات السياسية والديمقراطية .. وإن لم تكن موجودة علينا بخلقها.. وهو واجب النخبة السياسية أولا. السيد حسين آيت أحمد جرّب على الأقل وسيلتين للتغيير منذ 1962 إلى يومنا هذا. الوسيلة الأولى تتمثل في حمل السلاح في وجه السلطة القائمة عام 1963 ، واتضح له أن هذا الخيار لا يجدي نفعا، إنما ضرره أكثر من نفعه على الأمة بكاملها. نفس هذا الخيار ذهبت إليه الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992 ، وتبين بشكل قطعي أن " التمرد والعصيان المسلح " ضرره أكبر من نفعه، وأنه لا يؤدي إلى التغيير. هذا الخيار تم اختباره أيضا في عدة بلدان، ولم ينجم عنه سوى " مضاعفة المشاكل " ولم تؤد أصلا إلى التغيير المنشود. أما الخيار الثاني الذي جربه حسين آيت أحمد، ومن خلاله حزب جبهة القوى الإشتراكية العتيق، فهو " مقاطعة الإنتخابات " واعتماد سياسة الكرسي الشاغر في بعض المواعيد السياسية. ورغم الثقل الذي كان حزب الدا الحسين يمثله في سنوات خلت، خاصة في منطقة القبائل، فإنه اتضح أن الكرسي الشاغر سيملؤه الآخرون، وأن المقاطعة الإنتخابية لا تمنع الآخرين من المشاركة، بل إن هذه السياسة جاءت بنتيجة عكسية، حيث بدأ المناضلون ينفرون من الحزب القائم على سياسة الكرسي الشاغر وسياسة المقاطعة، فإذا كان الحزب لا يشارك ويؤثر فلماذا ينخرط فيه المناضلون ؟ الدا الحسين من جديد ، دعا إلى المقاطعة .. بدل أن يوظف وزنه السياسي والتاريخي في إقناع شخصيات أخرى بالمشاركة في الرئاسيات .. وفي رسالته الأخيرة للمناضلين والمواطنين ، نفى المسؤولية عنه وعن الطبقة السياسية، وألقى الكرة في ملعب المواطنين .. بقوله إن الأمل باق في كل واحد منا .. فكيف يغير المواطنون النظام، وكيف يرتقون بمستوى البلاد نحو الأفضل .. بعد أن أثبت التاريخ فشل العمل المسلح وفشل سياسة المقاطعة وأفول سياسة الكرسي الشاغر .. اللهم إلا إذا كان الدا الحسين يقصد " التغيير عن بعد .. أي من لوزان .. وهنا منطق آخر، ومع ذلك يمكن القول أن الشباب جرب الحرقة فاستقبله الحوت في البحر..