الانتقادات التي ثارت بعد الإعلان عن منح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان جائزة ثقافية ألمانية، تقديرا لدوره في تأسيس منتدى تحالف حوار الحضارات وتجسير الهوة بين الإسلام والغرب، تثير آيات الاستغراب حقّا وتكشف إلى أي مدى يضغط السياسي على الثقافي حتى في الغرب وليس عندنا فقط..! فقد هاجم حزبا الائتلاف الحكومي بألمانيا منح الجائزة لأردوغان، وطالبوا رئيس وزراء ولاية هيسن والراعي الرسمي للجائزة بعدم المشاركة في حفل تسليمها لرئيس الوزراء التركي. ولم يشفع للجمعية المانحة للجائزة قولها إنها منحتها هذا العام لأردوغان تقديرا لجهوده في تأسيس منتدى تحالف حوار الحضارات ودوره الرائد في تعميق التفاهم الثقافي والتسامح بين الشعوب وتقريب المسافات بين العالمين الإسلامي والغربي. ربما رأى البعض بأن الحساسية تاريخية بين تركيا وألمانيا وأثّرت حتى على وضعية الجالية التركية في برلين، ولكن الذي ينظر إلى طبيعة الانتقادات وأشكال الاحتجاج التي صدرت عن سياسيين وشخصيات ألمانية يدرك أن الأمر له خلفية تاريخية تتعلق بتركيا المسلمة ومحاولتها المستمرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وترفضه برلين وباريس معا، كما أن طبيعة الانتقادات والغضب لم يمس رئيس الحكومة الإسباني والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان اللذين تقاسما الجائزة مع أردوغان.. هذا بعض من وهم حوار الحضارات والأديان الذي لا يزال مجرد ترف فكري وبروتوكولي لم يرق إلى الحوار الجاد والقناعة في دواليب القرار السياسي والبرلماني في الغرب، ويؤمن به كثيرون عندنا ويتشدّقون بخطابه.. وهذا أيضا شيء من الوهم الذي له أنصار عندنا يلوّحون به، وفحواه أن الغرب مستقل تماما وأن الثقافي لا علاقة له بالسياسي وأن الحريات والحوار مع الآخر قيم غربية راسخة. "حاصر حصارك بالجنون وبالجنون وبالجنون.. فإما أن تكون أو لا تكون.." محمود درويش