إحياء اليوم العالمي لحرية التعبير في الجزائر هو مناسبة تتكرر فيها نفس الأسئلة حول حالة قطاع الصحافة في البلاد، والاستفهامات الكثيرة حول الوضعية المهنية للصحفي في ظل عجز قانون الإعلام الحالي عن تقنين المهنة، وفي ظل حالة اللااستقرار التي يعاني منها القطاع ككل الذي عرف قائمة طويلة من الوزراء سقطوا تباعا من الحكومة من دون إتمام مشاريعهم في تنظيم القطاع وتمكينه من قانون يحكمه ويحدد طبيعة العلاقات مع محيطه. يتفق جل الملاحظين على حقيقة واحدة وهي أن قطاع الصحافة في بلادنا يعيش فوضى عارمة يدفع فاتورتها الإعلامي بالدرجة الأولى، ثم المؤسسات الإعلامية أو الصحف الصغيرة في المقام الثاني، وبطبيعة الحال فإن النقاش لم يتوقف لحظة حول كيفية إخراج القطاع من الوضعية الصعبة التي يوجد فيها منذ سنوات، لكن هذا النقاش بقي عقيما في ظل عدم وضوح الرؤى لدى السلطة نفسها، التي تبدو أحيانا عازمة على تنظيم المهنة ومساعدة الإعلاميين على تنظيم أنفسهم للدفاع عن حقوقهم، وتارة أخرى تبدو عاجزة أو ربما لا تملك إرادة حقيقية، بل هناك من ذهب إلى أبعد من ذلك لما لاحظ بأن حالة الفوضى التي يعيشها قطاع الصحافة، ربما يخدم السلطة ويكفيها شر الصحافة والصحفيين. ويبدو أن الصحافة تعيش فعلا ما يشبه انتكاسة مقارنة بالانطلاقة الأولى، وتظهر هذه الانتكاسة بشكل أساسي في عدم استثمار الإرهاصات الأولى التي تميزت بحرية كبيرة سمحت بتكوين جيل من الأقلام المتمرسة، ودخول القطاع برمته في مشاكل لا تحصى، يمكن إيجازها في المشاكل المهنية للصحفيين والعلاقة غير الطبيعية بين الصحافة، خاصة المستقلة منها والسلطة. وتجدر الإشارة قبل التطرق إلى الأسباب التي جعلت قطاع الصحافة يعيش الوضعية التي ذكرناها، أن العجز الملاحظ فيما يتعلق بتنظيم القطاع لا يرتبط فقط بغياب الفعالية لدى الصحفيين الذين عجزوا لحد الآن حتى عن تشكيل نقابة قوية تدافع عن مصالحهم المهنية، بل يرتبط أساسا بعدم وضوح الرؤية لدى السلطة حول كيفية التعامل مع القطاع وهو ما انعكس في شكل قرارات متضاربة ومتناقضة حولت وزارة الإعلام والاتصال إلى وزارة دائمة الترحال، وإلى وزارة مخيفة لمن يعين لشغلها، لا يمكث فيها إلا أشهرا قلائل ثم ينقل إلى قطاع آخر أو يلقى خارج الجهاز التنفيذي بكل بساطة. لقد تعاقب على حقيبة الإعلام والاتصال منذ بداية العهدة الرئاسية الأولى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أي منذ سنة 99 تسعة وزراء، سعى كل واحد منهم إلى تنظيم القطاع وتقديم قانون جديد للإعلام، ورحل كل واحد من هؤلاء عن القطاع قبل إتمام مهمته وتحقيق ما وعد به أمام الصحفيين. لقد حاول عبد العزيز رحابي، في عهد حكومة إسماعيل حمداني أن يفتح نقاشا موسعا حول تنظيم مهنة الصحافة،علما أن رحابي غادر القطاع بعد حوالي ثمانية أشهر من انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية أولى، وخلف رحابي في نفس الحكومة تجيني صلاونجي، وزيرا للإعلام والاتصال بالنيابة، ثم عينت خليدة تومي على رأس الوزارة التي ضمت أيضا قطاع الثقافة، قبل أن تنفرد تومي بقطاع الثقافة وتترك حقيبة الاتصال لمحي الدين عميمور الذي شغل المنصب لحوالي سنة فقط، ثم عين مكانه محمد عبو وبعده الهاشمي جيار الذي نقل إلى وزارة الشبيبة والرياضة تاركا مكانه إلى عبد الرشيد بوكرزازة الذي كان الوحيد الذي غادر الحكومة بعد التعديل الحكومي الجزئي لحكومة أحمد أويحيى. وإذا ما استثنينا الفترة التي سبقت مجيء بوتفليقة إلى سدة الحكم، على اعتبار أن الوزارة غيبت لفترة من تركيبة الحكومة، فإن وزارة الإعلام والاتصال كانت تتأرجح بين وزارة مستقلة بذاتها وأحيانا مدمجة في وزارة الثقافة، ولأول مرة تزول الوزارة تقريبا من الجهاز التنفيذي مع التعديل الوزاري ما قبل الأخير لحكومة أحمد أويحيى، حيث ألغيت حقيبة الإعلام والاتصال وعوضت بمنصب كاتب دولة لدى الوزير الأول مكلف بالاتصال يشغله المدير العام السابق للإذاعة الوطنية عز الدين ميهوبي. وما يفسر ربما هذا التخبط في التعامل مع القطاع على مستوى السلطة وغياب نظرة واضحة لطبيعة العلاقة بين مؤسسات الدولة والصحافة، هي تلك النظرة التي يتبناها البعض والتي تقول بأنه لا جدوى من تشكيل وزارة تشرف على القطاع، ويكفي سن قانون للإعلام مقبول وقادر على تنظيم المهنة أسوة بما هو حاصل لدى بعض الدول المتقدمة على غرار الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن أصحاب هذا الطرح يتناسون مسألة في غاية الأهمية، وهي أن حرية الإعلام عند هذه الدول تشكل ركيزة الممارسة السياسية، وهناك تقاليد راسخة تحمي الصحافة وتسمح لها بالوصول إلى مصادر الخبر، فضلا عن وجود تقاليد لدى كل المؤسسات في مجال الاتصال، خلافا لما هو حاصل عندنا، حيث تفتقد أغلب الحكومات إلى ناطق رسمي باسمها يتعامل مباشرة مع وسائل الإعلام، وهو تقليد رأيناه بشكل رسمي مع بعض الوزراء على غرار خليدة تومي وقبلها حمراوي حبيب شوقي وميهوب ميهوبي وعبد العزيز رحابي، وبعدها وبشكل غير رسمي، عبد الرشيد بوكرزازة الذي أدى مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة، وكان يعقد جلسات أسبوعية مع الصحافة رغم أن منصبه كان ينحصر فقط في الإشراف على وزارة الاتصال.