شيع أمس جثمان الفقيد الحاج المجاهد محمد بن علة بمقبرة العالية بحضور عدد كبير من عائلة ورفاق الفقيد وعدد من المسؤولين يتقدمهم عبد القادر بن صالح رئيس مجلس الأمة، وعبد القادر زياري رئيس المجلس الشعبي الوطني، وبوعلام بسايح رئيس المجلس الدستوري، إلى جانب وزير الداخلية نور الدين زرهوني، ووزير المجاهدين محمد الشريف عباس، وعبد العزيز بلخادم الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني والممثل الشخصي لرئيس الجمهورية، وكذا عدد من المجاهدين وقياديي الأحزاب السياسية مثل حزب جبهة التحرير الوطني. وقد ألقى السعيد عبادو الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين كلمة تأبينية هذا نصها: " الله أكبر••• الله أكبر••• الله أكبر تفرد بالبقاء وكتب على خلقه الفناء• "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون" أيها الراحل العزيز، المناضل المفعم بالوطنية، وبالغيرة على سيادة بلاده، وعزة شعبه، ومناعة وطنه، الحاج بن علة، ها هم إخوانك ورفاق دربك من المجاهدين ومن محبيك من المواطنين يقفون في هذه اللحظات وهم يودعون فيك أخا عزيزا، ومجاهدا مخلصا، ووطنيا، فذا، نذر حياته للجزائر فعاش كفاحها ضد الاحتلال والظلم والاستبداد• لقد اتسمت حياتك بصلابة المواقف والثبات على المبادئ والتشبث بالحياة بكل شجاعة ورباطة جأش• ها نحن في موقف مؤلم نودع فيه أحد الرجال الذين خاضوا غمار الحياة بكل عناد وإصرار ولم يهنوا ولم يستكنوا لشراسة المحتل الفرنسي الغاصب، ولم يلنوا في الدفاع عن حق شعبهم في الحرية والكرامة واسترجاع السيادة• ها نحن أيها المجاهد الشهم نودعك الآن وفي قلوبنا حرقة وفي ضمائرنا شيء من العتاب لأنك لم تمهل الجزائر التي وهبتها عمرك كله أن تهبك ما تستحقه من التكريم، فغادرتها وهي لم تحضنك بدفء الأمومة كما كنت تحلم دائما، ولم تحن عليك بالقدر الذي كنت تأمل، ها أنت تغادر إلى الرفيق الأعلى، راضيا على مواقفك النبيلة وقناعاتك الراسخة بعد عمر مليء بالتجارب ومسيرة ثرية بالخبرات• وفي أحضان تيسمسيلت المجاهدة كان ميلادك وكانت نشأتك بين أهلك الطيبين في أسرة عريقة تلمست طريقك إلى تحقيق وجودك، فكنت الأول في مدرسة الأهالي، وأثبت امتيازك في تحصيل العلم والمعرفة وفي وقت مبكر من عمرك، أظهرت حسك النضالي والتنظيمي والقيادي، فأسست أول فريق للكشافة الإسلامية في مدينة تيارت سنة 1941، وما إن تهيأت أمامك الفرصة، حتى كان انخراطك في شبيبة حزب الشعب الجزائري، وما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها حتى تحركت في أعماقك قيم النضال المتأصلة، متطلعا للكفاح من أجل الحرية وإجلاء الحق في العيش الكريم لأبناء شعبك• حرصت على النضال ضمن حزب الشعب، متنقلا بين تيارتووهران، حيث كنت مسؤولا لخلية ثم مؤطرا للمنظمة الخاصة بهذه المدينة، وعضوا في الفوج الذي خطط لاستهداف مركز للشرطة بوهران سنة 1952، كما كنت عضوا فاعلا للإغارة على مركز بريد وهران، عرفت سجون المحتل مرات عديدة، وحُكم عليك بالإعدام سنة 1953، لكن ذلك لم يمنعك من النضال ضمن اللجنة الثورية للوحدة والعمل، وغداة اندلاع ثورة التحرير في الفاتح من نوفمبر 54 كنت مسؤولا بالمنطقة الخامسة، مشرفا على هيكلة جهات عديدة من تلك المنطقة، وتواصل مشوارك الجهادي، إلى أن تم اعتقالك في نوفمبر 56 ويحكم عليك محكمة القوات المسلحة الفرنسية بوهران بالإعدام، وهكذا كان عليك أن تقضي سنوات طوال في سجون المحتل، لكن حضورك في صنع أمجاد الوطن وتخليص الشعب الجزائري من براثن المحتل، كان فيك عزيمة فولاذية وتصميما على مواصلة الجهاد وفي غمرة هذا الهيام بوطنك والتفاف اخوانك الجزائريين والجزائريات بصدق وتقبل التضحيات من أجل نجاح ثورة نوفمبر المجيدة• في خضم تلك الظروف، عُينت عضوا بالمجلس الوطني للثورة الجزائرية وتمهيدا لذلك، شرعت في المساهمة في بناء مؤسسات الدولة الجزائرية والتحضير لإرساء قواعدها، بعد فرض مكانتها على الساحة الدولية وافتكاك الاعتراف بحقها في تقرير المصير، وكانت تلك محطات حاسمة في تاريخ بلادنا المشرف• كنت أيها الفقيد العزيز واحدا من الذين ترتسم على ملامحم بشائر النصر المبين على الرغم مما واجهته داخل المعتقلات الفرنسية من معاناة، لقد عشت ذلك بصبر على المكاره وإيمان بانتصار شعبك، كان ذلك دأبك إلى أن تم الإفراج عنك وعن إخوانك المحكوم عليهم بالإعدام في 20 أفريل 1962• وإثر استرجاع الاستقلال كافأتك الثورة بأن عينتك على رأس المجلس الوطني، إلى جانب العضوية في القادة العليا لجبهة التحرير الوطني وكان لك شرف المساهمة، إلى جانب إخوانك المجاهدين في إرساء القواعد الأولى لبناء الدولة الجزائرية، وها هي هذه الدولة تواصل مسيرة استكمال بناء صرحها يحذوها طموح واعد بمستقبل زاهر• فالله نسأل أن يجزيك أوفى الجزاء وأن يحس مقامك بين إخوانك الشهداء والمجاهدين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه• " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي"•