على غير عادتها اغتنمت "اليتيمة" وجود شخصية هامة في زيارة للجزائر وأجرت معه لقاء صحفيا أعلنت عنه وبُثّ كاملا عقب نشرة الثامنة أول أمس. لقد تعوّد رجال الإعلام وجمهور المشاهدين على عزوف التلفزيون عن إجراء لقاءات صحفية خاصة مع شخصيات هامة ظلت تزور الجزائر تباعا منذ سنوات، وتمكث عندنا طويلا وتجري مباحثات وتدرس ملفات هامة جدا في مجالات مختلفة ومع ذلك يكتفي التلفزيون بتصريحات مقتضبة من قبل هذه الشخصيات على هامش الاجتماعات التي تعقدها، وهي في الغالب تصريحات عامة وبروتوكولية لا تحمل أية قيمة إعلامية. وحدها اللقاءات الخاصة تعطي القيمة وتأتي بالسبق، ليس باللقاء في حدّ ذاته بل في قدرة الصحفي والفريق الذي يحضّر معه على انتزاع معلومات ذات قيمة تجعل التلفزيون مصدرها وتنقل عنه وسائط إعلامية أخرى. لا شك أن كثيرين غيري صدموا للفراغ المهول الذي تركه اللقاء الذي أجراه التلفزيون مع ضيف الجزائر سيف الإسلام القذّافي. لنعترف بأن اللقاء كان فاشلا على طول الخط، وأن الصحفية لم تكن تحاور الضيف بقدر ما كانت تداعبه بكلمات هي عناوين عريضة يكتفي سيف الإسلام بأن يحوّلها إلى إشكاليات وفقا لمنظوره "الرائع بحق" ويقدم إجابات لم تطرحها المحاورة أصلا.. لنعترف أن بعض الأسئلة كانت في الجوهر دغدغة للضيف الذي بدا مستعدا لتقديم إجابات صريحة عن تساؤلات ملحة تهم الرأي العام في الجزائر وفي ليبيا أيضا بل وفي المنطقة كلها.. أليس عيبا أن يطرح ملف المساجين الجزائريين في ليبيا بتلك الطريقة "الاستجدائية" والتي فوّتت على المشاهدين الحصول على معلومات هامة بخصوص مستجدات الملف وفق النقاش الدائر بين البلدين والاتفاقات الموقعة بينهما في هذا الشأن؟ أليس غريبا أن تفوّت المحاورة أسئلة كثيرة بخصوص أهم الملفات التي ناقشها سيف الإسلام في الجزائر، فلا يعقل أن تكون زيارته سياحية؟ ولعل من هذه الأسئلة موضوع الوساطة الجزائرية بين ليبيا وسويسرا بشان الخلافات الأخيرة بينهما، ناهيك عن وضع مساجين الرأي في ليبيا وظاهرة الإسلام السياسي فيها، ومستجدات ما يقوم به سيف الإسلام بخصوص العلاقات الأمريكية الليبية...إلخ؟ في أكثر من نصف ساعة فوتت اليتيمة على نفسها فرصة التميّز والمهنية، وثبت أنه حتى وإن توفرت الفرص بلقاء شخصيات لها دور في معادلة الحكم في بلدها مثل ماهو حال دور سيف الإسلام القذافي.. ثبت فعلا أن إهدار الفرص حصل، وقدّمت لنا "اليتيمة" فنّا جديدا في أنواع اللقاء الصحفي اسمه فن المداعبة، ولولا أن سيف الإسلام القذافي غطّى على الرداءة بما أفضى به وبأكثر مما طلب منه.. لولاه لأمكن أن يحمل اللقاء أية صفة إلاّ أن يكون لقاء صحفيا.. ! الصحفي الفاشل..محاور فاشل.. محمد حسنين هيكل