زارتني أمس المجاهدة الكبيرة فريدة بالقمبور، المرأة التي حرمتها الثورة من الخلفة لأنها أصيبت برصاص الاستعمار في الرحم، فعاشت بعد الثورة على حب الجزائر•• زارتني وبكت وأبكتني وهي تروي لي قصة شهيد سقط أمام عينيها، وكيف أصبح الوادي الذي سقط فيه يفوح برائحة العطر لأن زجاجة العطر التي كانت معه تكسرت وملأته برائحة طيبة• مازلت - قالت - أذكر المشهد ومازالت الرائحة تعود إلى أنفي من حين إلى آخر، لهذا لن أتكلم على مكاسب المرأة في الثامن مارس وسأعطيك، بنيتي، حوارا في 19 مارس، مكاسبنا هي هذه، ما قدمناه في الثورة وما بعد الثورة• نعم ليس مارس هو الذي حرر الجزائرية، وليس مارس الذي حرر جدتي التي كانت تزرع بحيرتها وتصنع صوفها وتشارك رجال العائلة اتخاذ القرارات المصيرية، وكان صوتها الغالب في الكثير من الأحيان، فالمرأة الجزائرية كانت تعرف مفهوم الحرية، ليست حرية التسكع في الشوارع بدون هدف أو مغزى، وإنما حرية التصرف واتخاذ القرار، وإبداء الرأي وقول كلمة الحق مهما كانت تبعاتها، حرية العمل والدراسة• للأسف، هذا الصنف من النساء الواعيات بدورهن الحضاري والاجتماعي أخذ يتراجع الآن، تاركا المكان للفوضى وللفهم الخاطئ للحرية، فالمرأة لم تعد تلعب دورها التربوي، وليس ظلما إذا قلنا أن جزءا كبيرا من الفساد المنتشر في المجتمع تتحمل الأمهات الجزء الأكبر منه، فالمرأة العصرية تشتتت بين المجتمع المحافظ والعصري، ولم تعرف في أي طريق تسير، فضاعت بها السبل، فلا هي حافظت على إيجابيات الأسرة التقليدية ولا هي عرفت كيف تقود نفسها والمجتمع إلى العصرنة•• ولا بأس في هذا العيد أن نتمنى لها أطيب الأمنيات، وشيئا من العقل لتقويم مسيرتها المليئة بالإنجازات وبالأخطاء أيضا•