وفندت الفتوى حجج المتذرعين بتحريم التسعير استناداً إلي ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عندما قال: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال رسول الله: ''إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ولا مال'' • وقالت الفتوى إن من يمنع التسعير مطلقاً بهذا الحديث فقد أخطأ لأن هذه قضية وليست لفظاً عاماً وأن امتناعه صلي الله عليه وسلم عن التسعير هو من تصرفاته بمقتضى الإمامة والسياسة الشرعية• وحددت الفتوى الحالات التي يكون للحاكم فيها حق التسعير وهي: أن تصدي أرباب الطعام عن القيمة تصدياً فاحشاً وحاجة الناس إلي السلعة واحتكار المنتجين أو التجار وحصر البيع لأناس معينين وتواطؤ البائعين ضد المشترين أو العكس• وقالت الفتوى: إن عقود البيع والشراء لم تعد عقوداً بسيطة تقتصر آثارها علي أطرافها أو علي طائفة معينة، كما كان الحال في السابق بل أصبحت في العصر الحاضر عقوداً مركبة مرتبطة بالنظام العام للدولة، حيث دعمت السلع والأقوات وارتبطت الأسعار بأجور الموظفين وأصبح الاحتكار يهدد أمن الدولة واقتصادها واستقرارها، فإن التسعير حينئذ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة الاقتصادية للدولة ويصبح القضاء علي الاحتكار واجباً شرعياً وقومياً• من جهته أيد الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر هذا الرأي، وقال: الإسلام يمنع الحرية الفردية للنشاط الاقتصادي في ظل سوق إسلامية حرة ونظيفة وخالية من الاحتكار والغش والغرر والمقامرة ولا يجوز للدولة أن تتدخل إلا إذا تبين أن الأفراد لم يلتزموا بالقيم الإسلامية والأخلاق والمثل وانحرفوا عن المعايير الإسلامية، وأن تتدخل في حالات الاحتكار والغش أو إحداث ضرر بالغير بصفة عامة• وكان نظام الحسبة من النظم الإسلامية للرقابة علي الأسواق• وأضاف: أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير سعر عليهم وتسعير عادل وهو واجب لسد الذرائع إلي المنكر والحرام مثل الاستغلال والجشع والطمع• ويشير الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة، إلى أن هناك من الفقهاء من أوجب التسعير عندما تدعو الضرورة إليه ومنهم ابن القيم وابن تميمة• وأضاف: في حالة انفلات الأسعار وقيام التجار بالبيع وفقاً لأهوائهم ورغبتهم في تحقيق أرباح باهظة بغض النظر عن مصلحة الناس ومراعاة قدراتهم المالية، فالتسعير هنا جائز بل واجب لإقرار مصلحة عامة•