الكتاب يزيد قليلا عن الأربع مائة صفحة من القطع الكبير، ويضم بين دفتيه إحدى عشرة ترجمة بيوغرافية لحياة وانجازات المؤرخين الجزائريين الأكثر حضورا وتأثيرا، من أمثال محمد العربي الزبير، أبو القاسم سعد الله، توفيق المدني، أبو العيد دودو واسماعيل العربي وآخرين كثيرين، مع اعتراف المؤلف بصعوبة الإحاطة بكل أعمدة المدرسة التاريخية الجزائرية، مشيرا إلى أكثر من عشرين إسما أكاديميا مرصودين جميعا للجزء الثاني الموعود من هذه (الموسوعة) الرائدة ينطلق الكتاب من اشكالية بالغة الحساسية تتجاوز ميدان البحث التاريخي إلى كل الأسئلة المتعلقة بالمناعة الهوياتية، في الثقافة والفكر الجزائريان، فالسؤال الكبير في نظر الدكتور بوضرساية هو : إذا كان البحث التاريخي العلمي في الجزائر يعود إلى زمن سابق على الاستقلال وسابق على الثورة نفسها، فإلى أي مدى يمكن القول أن مدرسة تاريخية جزائرية واضحة المعالم حلبة النواة، هي بصدد التبلور والنضج على أيدي مؤرخينا الجهابذة المذكورين في هذه الموسوعة؟ وإنه لمن دواعي الدهشة أن لا نجد في طول وعرض وعمق الكتاب أي إجابة (جادة) ولا حتى محاولة الإجابة الجادة على هذا السؤال اللهم إلا التأكيد العاطفي الإنشائي الطابع والمنهج حول بديهية امتلاك الجزائر لبوصلة تاريخية ذات حساسية انتمائية عالية، ليس أنها فقط تجعل من أبحاث المدرسية الإستعمارية مجرد وثائق (بائتة) بعد أن كانت ( مبيتة)، بل إنها تجبرها على التدحرج إلى المرتبة الثانية أو الثالثة منهجيا وأكاديميا أمام احترافية واقتدار المدرسة التاريخية الجزائريةïïï ترى ماهي طريقة الدكتور بوخرساية في البرهنة على هذه الإحترافية غير القابلة للطعن؟ إن طريقته الاعجازية هي بكل بساطة انتاج موسوعة مؤلفة من أربعمائة صفحة ومع ذلك تخلو من المراجع والمصادر خلوا تاما• ذلك أن قائمة المراجع الوحيدة في آخر الكتاب لا يوجد فيها مصدر واحد، عربي أو أجنبي، ولا أمهات الكتب ولا عماتهم ولا خالاتهم، اللهم إلا (مذكرات الليسانس) - نعم بالحرف الواحد - لطلبة الدكتور بوضرساية نفسه• فمن يا ترى من بين الأكاديميين الاستعماريين يجرؤ على تقديم (موسوعة) هي حاصل جمع تسع مذكرات ليسانس أنجزها طلبة معهد التاريخ عن حياة أعمال هؤلاء المؤرخين الأفذاذ، ولم يفعل الدكتور سوى الجمع والمونتاج والتعكر، على هذا العكاز الفاضح الذي يجعل من الأستاذة - موضوعيا - تلميذا - لتلاميذه •• يقتبس من مذكراتهم ويعتمد عليها كليا كلما أراد التدليل على صحة هذا الرأي أوذاك؟! ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل يتجاوزه إلي التشابه والتعادل التام بين أسلوب الدكتور وأسلوب طلبته بحيث يستحيل التفريق بينهما في كثير من الأحيان، وهي ميزة تستحق التنويه لصالح هؤلاء الطلبة بالطبع، باعتبارهم مؤلفين غير معلنين•