الإعلام عندنا يعمل بالزمبلك، ليس مهمًا من يدير الزمبلك، فربما لا تكون الحكومة فقط بل هي روح القطيع أيضا التي تحكم وتتحكّم في البرامج والقنوات والصحف• نفس الكلام ونفس الضيوف ونفس الإلحاح ونفس الأفكار، بل ونفس الصور والمشاهد، ثم ممنوع أن تأتي مكالمة بغير ما يمشي مع القطيع، ويتم حذف الضيف أو حتى إخراجه من الكادر لو قال كلامًا غير كلام القطيع، وينتقل ضيوف من قناة لأخرى، ويطلع من ديكور برنامج إلى ديكور برنامج آخر في ذات الساعة• ويتحدث ضيوف في التلفون لنفس البرامج في نفس اليوم يقولون الكلام نفسه، ولا أحد يفكّر بطريقة مختلفة، ويفكر ليه أساسًا ما يمشي وراء القطيع، ولا أحد يطرح نظرة نقدية ولا رأيًا آخر، ويقفل السماعة في وجه من يريد أن يختلف، فليس مسموحًا سوى للقطيع بأن يكون قطيعًا مع كل القطيع اللي ماشي، لا أحد يطيق في القطيع أن يسمع حوارًا حول ما يقول• ثم إن أي قطيع في الدنيا في حاجة إلى راعٍ وإلى ذئب• فأما الراعي فهو صاحب العصا أو الصفارة أو التعليمات والتوجيهات أو صاحب المزرعة أو الحظيرة أو المحطة أو الصحيفة، بينما الذئب هو الخطر الذي يحيط به من دولة أو حزب أو ماتش! ولأن المشاهد يجلس من ساعة ما يفتح التلفزيون أمام حالة قطيعية يتردّد فيها نفس الثغاء، فإنه يتأثر ويتشبع• ولأن المطلوب هو مسح دماغه وألا يأخذ فرصة لالتقاط أفكاره فالكذبة التي لا يريد تصديقها يسمعها ست مرات من ستة برامج على لسان مذيعين وضيوفهم فيبدأ في تصديقها، ثم على آخر الليل يكون قد اقتنع بها تمامًا وآمن بها وبدأ ينشرها كذلك، القطيع لا يحب الشرود من الصف ويكره الخارجين عنه، والكسل العقلي - بعيد عنك - مُعدٍ، ومن ثمّ لا يمكن أن يتحمّلوا أي مناقشة ولا يطيقون أن يخرجوا عن التعليمات، ثم لا يتصورون أن ينجح أحدهم أكثر من الآخر في جذب المشاهد، ومن ثمّ ينزلون عليه بالشحن والتعبئة والتسخين، فيسخن المشاهد فعلاً ويبدأ الببغاوية، يتحول إلى ببغاء يقول ذات الكلام الذي يسمعه ويردّد نفس الأفكار التي تتوالى عليه• أخرج الإمامان مسلم وأبو داوود، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ''كفى بالمرء كذبًا أن يُحِّدث بكل ما سمع''• المسلم عندنا سعادتك يصدق كل الكذب الذي سمعه ويكرر ويبغبغ بكل ما سمعه• يتحوّل الجمهور إلى أذن وحنجرة (مفيش أنف فهو لا يشم الكذب وليس للتلفزيون رائحة!)•• أذن تسمع الجماهير فتصدّق من التكرار والتلقين، ونحن شعب تعلّم عن طريقة الحفظ والصم ولم يجرب أحد أن يتعلّم تشغيل عقله، وساعة الامتحان يطرش ما حفظه، فالجماهير هي الأخرى حنجرة تعيد وتزيد في نفس الكلام وتطرش ما عندها• وسط هذه الساحة التي يسرح فيها قطيع ويمرح فيها ببغاوات تشعر بالذهول من هذا الشعب الذي يدّعي التدين وتلبس معظم نسائه الحجاب، ويشهد كثافة مدهشة في صلاة التراويح، فإذا به يخرج في التلفزيون ليقذف محصنات الجزائر مثلاً بالزنى ويلوّث سمعة نساء ورجال مسلمين وغير مسلمين، وكأن الإخوة الذين لا يكفّون عن الاتصال في البرامج الدينية يسألون عن الحلال والحرام في توافه الأمور، لم يسمعوا نبيهم الكريم وهو يقول صلى الله عليه وآله وسلم : (ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّن، ولا الفاحش ولا البذيء)• وإذا بمدّعي الدين وهم فجّار يسبون ويلعنون ويقطرون بذاءة، وإذا بهؤلاء المتدينين الجدد يمشون بالفتنة وإذا خاطبهم الجاهلون لم يقولوا سلاما بل قالوا يلعن أبوكم ولاد كلب.