من الخطأ الفادح من يعتقد أن تأزم العلاقات الجزائرية - المصرية كان بسبب مباراة فاصلة لكرة القدم حسمت فيها بلد المليون ونصف المليون شهيد بطاقة التأهل إلى مونديال جنوب إفريقيا (2010) على حساب بلد ''أم الدنيا''؟! إلا أن الحقيقة الدامغة وراء هذا التأزم هي مجموعة مواقف تختلف فيها الجزائر ومصر رؤيتهما حول قضايا ومشاكل المنطقة خاصة المواقف العنجهية المصرية المتكررة وكأنها قد نصّبت نفسها ''أم الحلول'' وعلى حساب الدول العربية• بدأ الاختلاف في المواقف منذ حرب العراق عندما أعطت ''أم الدنيا'' وباسم الجامعة العربية تأييد قرار الحرب على العراق، مضافا إلى ذلك تكرار الممارسات العنجهية من مصر واجتماعاتها المتكررة مع السعودية والأردن وإصدار الاتفاقيات فيما بينهما ومن ثمّ تدعو مصر، الجزائر والمغرب وتونس وليبيا إلى اجتماعات فقط من أجل المصادقة على تلك الاتفاقيات مما حدا بتلك الدول إلى التعبير عن الاستياء الكبير لهذه الممارسات غير المقبولة من طرف مصر، من هنا حدثت أزمة الجامعة العربية قبيل انعقاد قمة تونس وقبل انعقاد قمة الجزائر وحتى قبل انعقاد قمة الدوحة الأولى والثانية وما زالت مصر تمارس العنجهية ضد كل العرب• إذن، هناك خبايا الأمور التي لم تظهر للعلن عندما بدأت مصر تنفذ نصيحة ''الموساد الإسرائيلي'' القائلة بمتابعة ومضايقة الرعايا الجزائريين عند مرورهم ضمن الأراضي المصرية على أساس أن الفلسطينيين الذين يمارسون المقاومة يحملون جوازات سفر جزائرية ؟؟؟ ولكن إذا أردنا الدخول في صلب المشكلة لوجدنا أن أمرين اثنين لا ثالث لهما، كانا وراء اندلاع الأزمة - الأول : وهو الاعتداء الآثم على حافلة الفريق الوطني الجزائري والتي كانت تقلّ أيضا بعضا من المسؤولين الرسميين الجزائريين من قبل الجماهير المصرية، فبادرت الجزائر إلى اتهام مصر بالتقصير فردّت عليها الأخيرة بالبرود، ووصلت الفبركة المصرية إلى اتهام الفريق الجزائري بأنهم هم من قام بهذا على أساس خلاف نشب بين أعضاء الفريق وبداخل الحافلة؟؟ هنا، كان المفصل الأساس الذي ألهب مشاعر الجزائريين عندما وصلتهم صور الفريق الوطني وهم مضرجين بالدماء• وعلى هذا، بدأ الاحتقان الشعبي الجزائري يأخذ منحى تصاعديا وبسرعة - ولهم كل الحق بذلك - ففريقه ومسؤوليه أهينوا في القاهرة وبعلم المسؤولين المصريين• وحتى توافدت المعلومات أن الاعتداء قد تم بتوجيه من ''جمال مبارك'' و ''علاء مبارك'' وبمباركة ''المبارك''، خاصة من جهة ورود المعلومات بسقوط قتلى وجرحى جزائريين في القاهرة، مما حدا بالملايين الجزائريين بالنزول إلى الشوارع والتعبير بالانتقام لقتلاهم وجرحاهم• وقد وصلت الأمور حد محاولة اقتحام السفارة المصرية في الجزائر لولا تدخل قوات جزائرية هائلة منعت الاقتحام• هنا، وقعت الحكومة الجزائرية تحت الضغط الشعبي الهائل وكان لزاما عليها الاستجابة الطوعية لرغبات الجماهير الهائجة جراحا من جهة الإهانة التي تعرّض لها الفريق الوطني والمسؤولين والمناصرين الجزائريين في القاهرة •(والتي سنأتي على ذكرها لاحقا• 18 - 11 - ,2009 وقعت واقعة ''أم درمان'' وانتصرت بلد المليون ونصف المليون شهيد على مصر وبجدارة وحرفنة كروية رائعة فتأهلت إلى المونديال بعد غياب عنه استمر لأكثر من أربع وعشرين عاما وسط دموع وصراخ الملايين الجزائريين وجنون وحرقة وذهول المصريين الذين سارعوا وبسرعة قياسية مدروسة وبعد الانتهاء من المباراة مباشرة ومن خلال أجهزتها الإعلامية المسعورة إلى إظهار تعرّض الجماهير المصرية في الخرطوم للاعتداءات قامت بها الجماهير الجزائرية وصلت حد الأكاذيب المصرية إلى تصوير فيلم يظهر فيه مجموعة من الشباب الجزائري يحملون الخناجر وهم متوجهين نحو الجماهير المصرية• ولكن سرعان ما تبيّن أن هذا الفيلم قديم ولا علاقة له بالواقع فوقع المصريون في حيرة من أمرهم: ماذا يفعلون؟ كان موقف الجزائر رائعا كعادتها فلبّت نداء جماهيرها وعلى أعلى المستويات : أشرف الرئيس الجزائري ''عبد العزيز بوتفليقة'' شخصيا على عملية نقل المشجعين الجزائريين من الخرطوم إلى الجزائر، فأرسل سبعة وعشرين طائرة عسكرية لنقلهم من الخرطوم وأربعة عشر طائرة الخطوط الجوية الجزائرية أيضا لنقل المشجعين، إضافة إلى موقفها الرسمي من الأكاذيب والافتراءات المصرية اليومية عن تعرض المصريين في الخرطوم لهجمات من الجزائريين فأعلنت وعلى لسان مسؤوليها الذين اعتبروا ''رفضهم القاطع على هذه النظرة الاستعلائية'' فلا يمكن السماح بهتك كرامة الجزائر ولا الجزائري وتاريخ الجزائر والجزائري وشهداء الجزائر ورموز الجزائر والجزائري• أما الأمر الثاني : هنا المفصل الأساس في توضيح هذا الهجوم المبرمج الإعلامي المصري المسعور على الجزائر ورموز الجزائر غير المسبوق وغير المفهوم وغير المبرر• يكمن هذا المفصل في أن أصل الأزمة بين البلدين هو استغلال مصر لمنتخبها الوطني لكرة القدم سياسيا خاصة من جهة تصفية حسابات وأمور داخلية ''مباركية'' من جهة قرب الانتخابات الرئاسية المصرية وذلك: بتحويل هذه المباراة باتجاه تحقيق أهداف أخرى مبيتة سياسيا مصريا على أساس رفع شعبية الرئيس المصري والنظام المصري أمام شعبه خاصة من جهة رفع شعبية الوريث المحتمل ''جمال مبارك'' نجل الرئيس، حيث تم تحويل مشروع التأهل إلى المونديال الى مشروع سياسي ضخم وكبير ارتبط بمستقبل ''جمال مبارك'' وتوليه السلطة بعد أبيه ''الحسني مبارك''• الجدير بالذكر هنا، أن الآلة الدعائية لدى الحزب الوطني الحاكم لم تقنع الشارع المصري بالوقوف إلى جانب ''جمال مبارك'' مما حدا بالكاتب الكبير ''محمد حسنين هيكل'' بالقول: ''إن المستقبل السياسي لجمال مبارك قد ضاع بفعل هذا التركيز الإعلامي الشديد عليه ••''• هنا، قرر نجلا المبارك ''جمال وعلاء'' تحويل الهزيمة المصرية الكروية أمام الجزائر في الخرطوم إلى فرصة سياسية وهذا ماحصل تماما، فقد تم تشكيل خلية أزمة في ''الخرطوم'' مهمتها الاتصال المباشر مع الرئيس المصري والبدء بالعمل على تقديم نجلي الرئيس المصري ''جمال وعلاء'' على أنهما وضعا حياتهما الشخصية في مواجهة كل التهديدات التي طالت المصريين في الخرطوم (على حد زعمهم) لكي يتم رفع شعبية ''الإثنين'' أمام الشعب المصري على أساس أن يظهر نجلي الرئيس المصري ومن خلفهما ''الريس'' هم المنقذين لشعبهم ولمواطنيهم •• ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن• هنا لابد أن أسجل للشعب الجزائري التالي : الهستيريا الوطنية الجزائرية مستمرة قبل 14 - 11 - 2009 إلى 18 - 11 - ,,.2009لفحت الجزائر برمتها بالعلم الوطني الجزائري •••''الديشات'' على أسطح المنازل صبغت باللون الأخضر ••• السيارات ألصقت عليها صور اللاعبين الوطنيين •••الهتافات والأهازيج الوطنية اليومية وعلى مدار الساعة •••العامة تذهب إلى عملها : المرأة موشحه بالعلم الجزائري ••أو بربطة عنق ذات اللون الأخضر •••والرجل استبدل الكرافات ذات الألوان العادية باللون الأخضر •••النساء خرجت بأجسامهن من السيارات ضمن خطر محدق لتزغرد بفوز الجزائر •••الرضّع وشّحوا بلباس أخضر وعلى جباههم ربطت ''الخضراء'' •••أرقام السيارات قبعت من مكانها ووضعت عوضا عنها لافتات العلم الجزائري •••موكب الزفاف استبدلت زينة الورود بالأعلام الجزائرية وصور الفريق الوطني والعروس تخرج بنصف جسدها من نافذة السيارة لتزغرد لفوز الجزائر لا لزفافها، إنه عرس الوطن لا عرسها •••دموع خمس وثلاثون مليونا جزائريا فاضت بها الجزائر فرحا •••خمس وثلاثون مليونا جزائريا على اختلاف توجهاتهم السياسية والعقائدية والإيدولوجية وحتى الدينية اجتمعوا وكان صوتهم مدويا عاليا : تحيا الجزائر •• تحيا الجزائر •• تحيا الجزائر •• أليس الجزائريون من رفعوا يافطة في ملعب المريخ بأم درمان كتبوا عليها : ''أيها المصريون افتحوا معبر رفح ونهديكم التأهل'' •أليس هذا مدعاة للفخر •••••••••إنه بلد المليون ونصف المليون شهيد ••فهذا حقه• نعم •••نعم لرياضة ''الممانعة'' ولا ''للاعتدال'' فيها•