لو أن الشهيد العربي بن مهيدي ما زال على قيد الحياة لانتحر اليوم، أو لربما ارتكب جريمة في حق أخته ظريفة. ظريفة، التي اقترفت جريمة في حق تاريخ الرجل وفي حق الثورة والشهداء، لم تنتبه لفعلتها إلا بعد ثماني سنوات، أي ما يعادل عمر الثورة التي أكلت زينة الرجال، ومنهم العربي بن مهيدي الذي سلخ بيجار شعر رأسه وغرز سفودا ملتهبا في حلقه، لكنه لم يتزعزع ولم يخن ودفع روحه ودمه فداء للحرية. بعد ثماني سنوات "طلعت الفهامة" لرأس ظريفة، التي ربما كانت منشغلة باستثماراتها و"بزنستها"، إلى درجة أنّها لم تجد فرصة للجلوس مع نفسها وتراجع ولو للحظة قصيرة وتقيم فعلتها، فربما لم يمر اسم الشهيد بذهنها لحظة طوال هذه السنوات ولم تجد لها حتى الفرصة للترحم على روحه، لأنها لو فعلت لانتبهت لهول ما اقترفت. أما ما اقترفته أخت الشهيد، فهي أنها شدت على يد بيجار وصافحته، ودعته للمجيء إلى الجزائر، يا سلام؟ ليتها أكملت مهمتها القذرة وانحنت على يد السفاح بيجار وقبلتها وشكرته على ما فعل؟ أليست المصافحة معناها صفح وتسامح ومودة، وظريفة بفعلتها هذه أيضا تصافحت وتصالحت وتوادّت مع قاتل أخيها البطل، ثم تأتي بعد ثماني سنوات محاولة إيجاد الأعذار لفعلتها، على أنها كانت تبحث عن حقيقة مقتل أخيها. لا أدري بماذا فكر السفاح لحظتها وهو يصافح يد المرأة التي تقول إنها شقيقة بن مهيدي، وهو الذي قال لو أن لي ثلة من أمثال بن مهيدي لفتحت العالم؟ ربما قارن ولو للحظة قصيرة بين شموخ الرجل وابتسامته التي بقيت عالقة بأذهاننا وهو مقيد بالأغلال، وبين هذه المرأة الممسوخة، التي ألحقت الأذى بالاسم الرمز بن مهيدي، ربما شك بيجار ولو للحظة قصيرة أن تكون هذه شقيقة البطل، وعوض أن ينحني احتراما للاسم الذي تحمله على غير مسمى، يكون قد لعنها في قرارة نفسه، فليس ثمة انسان يمجد الخيانة حتى ولو كان يسمى بيجار. وما فعلته ظريفة خيانة ليس لبن مهيدي الشقيق، وإنما للبطل الذي ندين له جميعنا بواجب الاحترام والتمجيد لتضحياته من أجل كرامتنا. وباسم الشهيد، الذي هو شهيد الجزائريين الأبرار الأطهار، أقول لظريفة "عيب عليك ما اقترفته في حق الرجل، اختش، فأنت لست أهلا لتحملي اسمه وتاريخه".