هل تكفي صفعة مصر وحدها لاستفاقة الجزائر من وهم مزعوم ”كان يا ما كان” قبل تاريخ 14 ثم 18 نوفمبر أطلق عليه ظلما (وعدوانا) القومية العربية أم على الجزائريين أن يترحموا على ”النيف” والعنترية بعد تلقيهم ضربة مزدوجة فرانكو أمريكية موجهة صوب الأنف بعد تصنيفهم في خانة غير المرحب بهم ببلاد العم سام (السام) وبعاصمة الجن والملائكة. يمكن تلخيص المشهد الجزائري خلال الثلاث أشهر الماضية في ثلاث قضايا هيمنت على دبلوماسيتنا في الخارج والرأي العام الوطني والدولي إذ اختزلت مباراة كروية فاصلة بين الفريقين الجزائري والمصري واقع العلاقات ”الهشة” بين البلدين، وإن كان كلا الطرفين يتحملان جانبا من المسؤولية لولا تحويل أشباه السياسيين والإعلاميين ب”خراب الدنيا” المقابلة إلى ساحة حرب مفتوحة على جميع جبهات السب والشتيمة لتتبدد صور الأخوة والتاريخ المشترك، وتتبدى سذاجة التفكير الداعي إلى التمسك بالقومية العربية، فكان أن تلقت الجزائر صفعة أعادت حسابات الساسة في كيفية التعامل مع الآخر العربي، ولم يكد يهدأ هيجان الثور الفرعوني، ليخرج ثور غربي صدق ساستنا أنه حمل وديع لا يؤذي النملة عقب التصنيف الأمريكي الجديد في صورته القديمة لدول ”إن لم تكن مع الأمريكان فأنت ضدنا” لجورج دبليو بوش، الذي ظن غالبية المسلمين تحديدا أنه قذف بحذاء أوباما بعد اعتلائه عرش البيت الأبيض، لكن صدمة الدبلوماسية الجزائرية وباقي البلدان ال13 الخاضعة ”للتعرية” كانت قوية جعلتها تضرب خبط عشواء والتمسك بخيط ”العلاقات الوثيقة بين الجزائر والولايات المتحدةالأمريكية”، وتبعتها باريس في إجراءات التفتيش المهينة عبر مطاراتها. ففي ظرف شهرين استفاق البرلمان والخارجية الجزائرية والأحزاب المجهرية من سبات عميق بدا بعد أفريل 2009، وبدا المشهد الجزائري أكثر عزلة الآن من ذي قبل، تجلى في مصر العربية التي تحاول إعادة صياغة الوطن من المحيط إلى الخليج على هواها، مستغلة هياكل المنظمات الإقليمية (الجوفاء) المتواجدة بأراضيها. أما أمريكا ومن والاها تواصل بسط الضغط القديم بأسلوب جديد على السياسات التي لا تخدم الأجندة الأمريكية بوسائط حديثة، ووظفت فيها التكنولوجيا لإبراز مفاتن وعيوب الجسد العربي المسلم. وكما يبدو فإن افراط حسن الظن بالآخر أسقط الجزائر في فخ القوائم السوداء. فمن كان يظن من الساسة المتشدقين بعودة صورة الجزائر المشرقة إلى الخارج أن تصدير التجربة الأمنية الناجحة في مكافحة الإرهاب للخارج خاصة بعد أحداث 11 أيلول 2001 سيفتح أبواب التمييز العنصري عند أول خطوة يخطوها الجزائريون بالمطارات الأمريكية والفرنسية، ولم يستثن القرار حتى المسؤولين السامين لتفصح هذه المؤشرات الخطيرة عن تململ دوائر صنع القرار في اتخاذ خطوات مباشرة تعيد كرامة المواطن الجزائري مثل ليبيا التي ردت الصاع 24 (إضعاء الاتحاد الأوربي - 1) مرة على قرار سويسرا بمنع دخول دبلوماسيين ليبيين إلى أراضيها، ولم ينتظر القذافي طويلا ليبعث برسالة واضحة شديدة اللهجة إلى دول أوربا (باستثناء بريطانيا) لمعاملتها بالمثل، فيما نتقن الكلام المنمق كما يتقنه ولاة أمورنا الذين دعوا إلى اتخاذ خطوات ”يقال” إنها عملية تستوجب معاملة الآخر (الأمريكي الفرنسي الاسترالي الايطالي) معاملة مماثلة منذ نزوله. لكن كيف للجزائر ذلك وهي لا تملك أجهزة سكانير تعري المستور من مسافري الدول الأجنبية. الحكومة وفي هذا الظرف الحساس الذي تمر به البلد تحتاج إلى فعل يستشرف المستقبل وترسم على أساسه العلاقات الدولية وليس ردود فعل خاوية تذهب أدراج الرياح عند أول هبة لتطوي فيه صفحة كانت مبنية على الكثير من التنازلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أمين لونيسي