منيت الأغلبية اليمينية الساركوزية، مساء أول أمس، بهزيمة نكراء في الدورة الثانية من الانتخابات الإقليمية التي أكدت حتمية تغيير مسار الإصلاحات التي انتهجتها حكومة فيو، والاعتراف بالأخطاء المرتكبة تفاديا لهزيمة أكبر في الانتخابات المصيرية القادمة على حد تعبير ليونال لوكا النائب اليميني الوحيد الذي تجرأ إلى حد الآن على الاعتراف بالهزيمة خلافا لزملائه الآخرين الذين اختفوا تحت عباءة خطاب التأسف والتحسر ومبررات الأزمة الاقتصادية والمقاطعة - 49.54 في المائة - والتحوير الشكلي لإصلاحات ضرورية يجب أن تستمر في كل الأحوال. اليسار - والحزب الاشتراكي بقيادة مارتين أوبري بوجه خاص كان المنتصر الأول والأخير في الدورة الثانية - 54.15 في المائة - إثر تمكنه من لم صفوف كل أطياف جبهة اليسار والخضر الأوروبيين والاستفادة من المقاطعة التاريخية التي لم تعرفها الجمهورية الخامسة من قبل الأمر الذي تسبب في تقهقر الأغلبية اليمينية - 35.39 - وصعود الجبهة الوطنية بقيادة الأب جان ماري والابنة الشقراء مارين. رئيس الحكومة فرانسوا فيو الذي لم يتفوه بكلمة الهزيمة أو الاستقالة لكنه اعترف بهامش مسؤوليته في بيانه الصحفي، سيبقى محل ثقة الرئيس ساركوزي كتحصيل حاصل تفرضه إرداة الأغلبية اليمينية على المضي قدما في تطبيق الإصلاحات الحيوية التي زكاها الفرنسيون دون التهرب من حتمية معالجة الثغرات والانحرافات على الصعيد التطبيقي لقضايا الشغل، وتصحيح نظام التقاعد وتضييق حجم المصاريف العمومية، وحل المشكلات الاجتماعية والأمنية والقضائية، والعودة إلى قيم الجهمورية. وحسب جون فرانسوا كوبيه رئيس فوج نواب الأغلبية اليمينية والرجل المتسرع لخلافة ساركوزي فإن تطبيق هذه القيم لا يتم دون منع ارتداء البرقع في أقرب الآجال. الحديث عن رفض مساومة أي طرف معارض في موضوع تطبيق قيم الجمهورية - وخلافا لموقف كوبيه - شكل مفارقة خطابية في صفوف الأغلبية المنهزمة عشية الإعلان عن نتائج الدورة الثانية للانتخابات الإقليمية. وفي اعتقاد الكثير من المحللين فإن الساركوزيين الذين يجتمعون اليوم في الجمعية الوطنية سيتبادلون تهم اللعب بنار الهوية الوطنية التي أشعلها وزير الهوية الوطنية والهجرة والإدماج في وجه المعارضة اللوبانية واليسارية، وهي النار التي اكتوى بها الرجل شخصيا إلى جانب قائده وآمره ساركوزي، بسبب تفطن اللوبانيين للعبة وتمكنهم من إعادة لهيبها إلى صانعيها الذين حاولوا تغطية نيران البطالة والأزمة الاقتصادية الحادة بنار مفتعلة صبت في مجرى مناورة فاشلة استفاد منها صاحب خطاب الهوية الوطنية تاريخيا وأيدولوجيا وثقافيا. ساركوزي الذي انفتح على اشتراكيين لضرب اليسار في سابقة تاريخية أولى من نوعها، مضطر لأن يصحح مسار تكتيكه الذي باء بالفشل في إطار مخادعة سياسيوية وذلك من خلال تعديل وزاري ستذهب ضحيته حسب المعلومات المتسربة فضيلة عمارة الوزيرة المنتدبة للمدن التي لم تفلح في تطبيق برنامج إصلاحها للضواحي، وغسافييه داركوس وزير العمل الذي ستسحب منه مهمة تصحيح نظام التقاعد الحارق، وجون ماري بوكال الاشتراكي الآخر، وهوبير فالكو سكرتير الدولة لقدماء المحاربين، وحتى يستدرك ساركوزي خللا في الأغلبية اليمينية سيعين هذه الأيام وزراء شيراكيين وفيلبيين - نسبة إلى دوفلبان. ومن المنتظر أن يعين على رأس وزارة الموازنة فرانسوا بروان الابن الروحي لجاك شيراك في حال تسلم الأول حقيبة الراحل غسافييه داركوس على رأس وزارة العمل. الاشتراكيون الذين حققوا انتصارا باهرا في وجه الآلة الساركوزية ليسوا بمنأى عن انقسامات مستقبلية واردة لأن الحزب الاشتراكي لم يحقق الانتصار التاريخي الوطني ولأن حرب الزعامات حول قيادة الحزب الاشتراكي مازالت قائمة.