إذا كانت هناك حسنة في كتاب سعيد سعدي زعيم الأرسدي: ”عميروش.. ميتتان ووصية”، فهي أن الكتاب فتح نقاشا وطنيا مهما في وقت تعيش البلاد فراغا سياسيا رهيبا! ومن هذه الزاوية فقد نجح سعدي في تقديم خدمة للسلطة لم تكن تحلم بها، وهي أنه خلق لها موضوعا للنقاش الوطني وشغل الرأي العام بطريقة لا تزعجها كثيرا، وفي نفس الوقت أوجد سعدي للصحافة موضوعا تتلهى به وتسكت عن موضوع الفساد الإقتصادي والفساد السياسي الذي أصبح يحنط البلاد! وسعيدي سعدي الذكي لا يمكن أن تغيب عنه هذه القضية! فهل يريد سعدي أن يقول للسلطة عبر هذه القضية التي طرحها الكتاب: إنه بإمكانه أن يخلق الزوابع التي تشغل الرأي العام عندما لا تجد السلطة ما تشغل به الرأي العام، خاصة بعد أن تحولت قضايا الفساد إلى محنة حقيقية تواجه السلطة! نعم سعدي إنسان ذكي، وهو بالنسبة للسياسة الوطنية مثل الملح للطعام.. فالسياسة بدون تدخلات سعدي ”سامطة ترهج”! وحقيقة عندما يسكت سعدي تتصحر السياسة وتتبلد الممارسات! وعندما ينطق يثير الحيوية السياسية! قد يكون كافي على حق حين يقول: إن سعدي يريد العودة إلى الحياة السياسية بقوة عبر رفاة عميروش! لكن أنا شخصيا أرى أن سعدي أُجبر على أن يستخدم قبر عميروش للحديث عن السياسة أو العودة للحديث عن السياسة.. لأنه لم يجد موضوعا جديا في السياسة الوطنية يمكن أن يتحدث فيه.. فالحياة السياسية تبلدت وتكلست بفعل سياسة الإغلاق المؤسف للحقل السياسي الوطني وبصورة تثير الإشمئزاز! لهذا لم يجد سعدي غير معارضة بالقبور..لأن السياسة الوطنية في البرلمان والأحزاب أصبحت تشبه في صمتها صمت القبور! سعدي لا يختلف مع كافي في الأمور الجوهرية ويختلف معه فقط في الشكليات! فكلاهما يرى أن وضع البلاد الحالي من الناحية السياسية والوطنية لا يبشر بخير! وهذا هو الأمر الجوهري الذي يتفق فيه الرجلان.. ولكنهما يختلفان في تفسير أسباب هذا الذي يحصل في الجزائر! فسعدي يرى أن الأمر له علاقة بالجذور التاريخية ويزعم أنها وجدها في معارضة عميروش لقيادة الثورة في تونس.. وأن عميروش رحمه الله حدث له ما يحدث سعدي الآن من قتل سياسي ثم تحول إلى قتل جسدي بعد ذلك قامت به فرنسا بتحريض من السلطة آنذاك! تماما مثلما يعتبر سعدي اليوم أنه يتعرض إلى عزل سياسي خطير وأن كافي يريد التحريض على قتله اليوم.. تمامامثلما فعل بومدين وبوالصوف بعميروش في 1959.. حسب زعمه! لكن المسألة المهمة هي لماذا لم يجد سعدي ما يعارض به الحكم غير رفاة الشهداء؟! لماذا ينقل المعركة السياسية مع النظام الذي يكرهه إلى المقابر؟! هل هذا يعني أن سعدي مات سياسيا ولم يبق له سوى اتباع رفاة الشهداء الذين بإمكانهم فهم ما يقوله في السلطة وفسادها واستبدادها وبلادتها السياسية؟!. قد نفهم أو نتفهم السلطة عندما تسعى إلى تبرير شرعيتها برفاة الشهداء.. لكن لا يمكن أن نفهم معارضة مثل معارضة سعدي حين تقوم بمعارضة السلطة بالمقابر والرفاة أيضا؟! هل حقيقة أن مسائل حصلت قبل 50 سنة يمكن أن تقدم خدمة للبلاد في مجال ممارسة المعارضة؟! أليست هذه عبثية سياسية لا تقل بؤسا عن عبثية السلطة التي تحكم الحاضر المتمرد بالماضي الميت؟! وإذا كان سعدي لم يوفق في إقلاق السلطة بممارسة المعارضة بالأحياء.. فهل يمكن أن ينجح في إقلاقهم بالأموات؟! وهل تجريم الماضي بهذه الطريقة يمكن أن ينفع سعدي في تجريم الحاضر! لقد قال لي بوالصوف مرة: إن المرحوم الشهيد بن بولعيد قد أخر الثورة بستة أشهر من أجل إقناع المرحوم كريم بلقاسم على أن يكون ضمن القادة التاريخيين الستة.. لأن بن بولعيد رحمه الله لا يريد أن تنطلق الثورة بدون منطقة القبائل، والتي كان تمثيلها في مجموع 22 ضعيفا (أوعمران)، فلماذا إذن يحاول سعدي وأمثاله جعل منطقة القبائل هي المبتدأ والخبر في كل شيء؟! مؤتمر الصومام أفضل من اجتماع 22! وأفضل من اجتماع الستة في عين البنيان! وأن عبان أفضل من كل الثوار بمن فيهم كريم! وأن عميروش أفضل من كل عقداء الداخل.. الأموات منهم والأحياء! لماذا الإصرار على أن عميروش وعبان من أفضل الثوار وأفضل حتى من القبائل! لماذا لا يتحدث أمثال سعدي عن كريم الذي وصل إلى حد أن الثورة فوضته لأن يتحدث باسمها مع فرنسا! لماذا لا يتحدث عن الزعيم آيت أحمد؟! أليس آيت أحمد زعيما تاريخيا.. لماذا لا يأتي ذكره فهو الشهيد الحي فعليا؟! أم أن الأمر له علاقة بأمور أخرى غير كرامة القبائل ونضالها الوطني الخالد؟! سعدي إنسان ذكي ويعرف بأن المعارضة بالرفاة لا تبني الأوطان؟!