أخبار هذا الأسبوع مفرحة ومقلقة معا! المفرح فيها هو أن الباترونا فرحة بتخصيص الدولة لأكثر من 280 مليار دولار للمخطط الوطني للإنعاش الإقتصادي في السنوات الخمس القادمة..! المبلغ فعلا يفرح حتى الموتى في المقابر والتي ستتحسن وضعيتهم إذا ظهر في البلاد سراق وطنيون يستثمرون ما يسرقونه في أرض الوطن، ولا يحولونه إلى الخارج تحت عناوين مختلفة كما حدث في الماضي! حيث قالت الحكومة إن البلاد تصرف سنويا ما يقارب المائة مليار دولار، وسبعون في المائة من هذه المبالغ تحول إلى الخارج تحت بند تمويل الواردات ..! المبلغ الذي أقره مجلس الوزراء للمخطط الخماسي مبلغ رهيب فعلا وبإمكانه فعلا إخراج منطقة شمال إفريقيا بأكملها من التخلف وليس الجزائر وحدها لو قدر لهذه المبالغ أن تصرف برشادة على الإقتصاد ولا تذهب (كما جرت العادة) في تمويل عمليات بارد وحلو..! كما يقول المثل الشعبي ..! مجلس الوزراء لم يجتمع لمدة طويلة.. وعندما اجتمع أقر هذا المشروع المفرح فعلا، ليس للباترونا وحدها، بل لكل جزائري يأمل في أن يشم رائحة الغاز الذي تمتد شرايينه إلى الضفة الأخرى عبر المتوسط..! لكن عندما نسمع بأن الجزائر التي أنتجت هذا العام الشعير أكبر من حاجتها المطلوبة وتريد تصديره إلى الخارج ..وأنها تواجه مشكلة في تصدير الفائض من هذا الشعير..! عندما أسمع بذلك أحس بأن مئات المليارات من الدولارات التي خصصها مجلس الوزراء في المخطط الخماسي لن تنفع البلاد..! مادام حمير التجارة عندنا لا يستطيعون تصدير الشعير الذي عافه حمير الجزائر وفاض عن الحاجة ..! هل يعقل أن البلاد تجد صعوبة في تصدير فائض الشعير..! وهل فعلا يوجد في البلاد الفائض المزعوم من هذه المادة والحال أن البلاد تستورد اللحوم المجمدة من أمريكا اللاتينية..! وهي لحوم أسوأ من لحوم الحمير عندنا ..! لماذا لا نقوم بتطوير الأبقار في بلادنا مادام الشعير قد فاض ..! هل يعقل أن البلاد تعاني من مشكل تصدير الشعير وهي ترضع الحليب من أبقار هولندا.. ونأكل لحوم جواميس البرازيل ؟! لماذا لا نشترط على البرازيل أخذ الشعير من عندنا مقابل أن نأخذ منهم اللحوم ؟! أم أن رجال الأعمال عندنا لا يعرفون التفاوض سوى في الاستيراد ولا يحسنون التصدير !؟ لماذا لا تجمع فوق أرض الجزائر بين أبقار البرازيل وهولندا وشعير الجزائر ؟! أم أن هذه المسألة تتطلب علما كبيرا يتجاوز علم " الضمياطي" الذي ندرسه في مدارس الفلاحة الجزائرية؟! نعم لقد تطورنا بالفعل ..! فأصبحنا بلدا ينتج الأعلاف ولا ينتج البهائم التي تأكل هذه الأعلاف..! أعلاف حيوانات الجزائر سعرها أعلى من سعر أعلاف البشر الذي يقوم على تربية هذه الحيوانات..! قارنوا سعر المقارونة... بسعر الشعير.. وأنتم تعرفون خيبة البلد .. وتعرفون.. لماذا لا يكون لمئات المليارات من الدولارات أي أثر للتنمية ؟! والبلد الذي فيه سعر لتر الماء المعدني أعلى من سعر لتر المازوت ..! هذه البلاد لا يمكن أن نتحدث فيها عن الإقتصاد.. وعن معايير الإقتصاد..! والبلد الذي فيها سعر الموز المستورد من أمريكا اللاتينية أو من أدغال إفريقيا ومن على بعد آلاف الكيلومترات ..أعلى من سعر التمر المنتج في بسكرة.. بثلاث مرات ..! مثل هذا البلد لا يمكن أن نتحدث فيه عن قواعد الإقتصاد وقوانينه ونواميسه..! فالناموس الوحيد هو ناموس السرقة والهف .. والإحتيال والنصب على الناس..! لهذا، فإن ما قرره مجلس الوزراء من مبالغ مهولة لتمويل المخطط الخماسي القادم لقي رد فعل مهلل من طرف البطرونة ورجال الأعمال.. هم قبل غيرهم لإدراكهم بأن الأمر فعل يفتح شهيتهم على المزيد من النجاح في استيراد لحوم البرازيل والعجز عن تصدير الشعير لأبقار البرازيل..! نعم، البلاد ستنمو وتستفيد من هذه المبالغ المهولة فقط عندما يتحول السراق فيها من سراق أجانب إلى سراق وطنيين..! يمارسون فعل توطين ما يسرقونه من أموال في أرض الوطن ..! أي لابد أن نجعل من الجزائر ملاذا آمنا لسراق البلد لنضمن استثمار المسروقات في أرض الوطن..! ولماذا تفعل سويسرا هذا ولا نفعله نحن ؟! هذا هو السؤال.. وهذه هي الوطنية الجديدة..!