لقد كانت الجزائر دائما غنية بشبابها، كما أن التحديات التي واجهت البلاد، والتي كانت متعددة ومعقدة على مرور الأزمنة، تمكّنت من مواجهتها بفضل هؤلاء الشباب. ماهي الوضعية اليوم؟ إن ما دفعنا إلى إعادة طرح السؤال، هو بيان السياسة العامة للحكومة الذي قدمه الوزير الأول أمام نواب الغرفة العليا بالبرلمان. وبالمناسبة سجلنا جدلا غير مباشر حول موضوع خطير وجدي، بين المجاهدة زهرة ظريف والوزير الأول أحمد أويحيى. لقد وجهت المجاهدة زهرة ظريف مساءلة للوزير الأول الذي كان يستعرض الأرقام أمام نواب الأمة، حول مسألة خطيرة تتعلق "بالوضعية السيئة التي يحياها الجزائريون": "لماذا يعيش الجزائريون في سعادة، على الرغم من الأرقام التي تتحدث عنها الحكومة؟" لقد ركزت زهرة ظريف على شريحة الشباب. قبل أن تضيف "ما الذي ستعمله الحكومة لإعادة الأمل للشباب؟" المسألة حيوية جدا: لماذا لم تسمح الجهود الجبارة التي تبدلها الدولة حيال الشباب، فإن شريحة كبيرة منهم تعيش في ظروف مزرية، بل ومنهم من يواصل الفرار من البلاد؟ فلا برامج مكافحة البطالة، ولا المساعدات الموجهة للتربية ولا بقية البرامج المختلفة لصالح الشباب، لم تتمكّن من إقناع الشباب بخدمة بلدهم؟ الوزير الأول وهو يرد على المجاهدة زهرة ظريف، لم يقدم شيئا أكثر من التذكير بما قالته السيدة ظريف، مشيرا إلى ما تبدله الدولة تجاه الشباب. ليخلص إلى القول إن الشباب غير معترف بذلك الجميل، مشيرا إلى أن الشباب الجزائري عليه بمقارنة وضعيته بما هو عليه شباب دول مشابهة للحالة الجزائرية، مشدّدا على أن حالة الشباب الجزائري ليست بالسيئة للغاية. هل من الضروري التذكير بأن الأسئلة التي طرحتها المجاهدة وعضو مجلس الأمة زهرة ظريف، لم يتمكّن الوزير الأول من الإجابة عنها؟ إن ما كانت تريده المجاهدة ظريف، هو جر الوزير الأول إلى ساحة تحليل الأسباب الحقيقية التي أفقدت الشباب الجزائري الأمل في حياة سعيدة ببلدهم ودفعت بهم إلى الفرار من الجزائر نحو أي فضاء آخر مهما كانت المخاطر. إن القضية حقيقية، وأكثر من ذلك حيوية: لماذا فقد الشباب الجزائري الإيمان ببلدهم؟ على الرغم من وجود جهود معتبرة من الدولة حيال الشباب. للأسف فأثر تلك الجهود محدودة جدا في الميدان، وهي بالفعل جهود جد ضئيلة حتى بالمقارنة مع النتيجة التي حققها تأهل الفريق الوطني لنهائيات كأس العالم بجنوب إفريقيا. لقد طلبت من أحد الشبان بعد التأهل على حساب مصر، لماذا كل هذه الفرحة؟ فكان رده "هذه المرة الأولى التي أرى فيها الفرح بالجزائر، سنة 1962 كنت غير مولود. لذا فنحن لم نشهد كيف كانت فرحة الانتصار والاستقلال، وأستطيع القول إنني لم يسبق وأن رأيت الجزائر تفرح...بالإضافة إلى ذلك، فهؤلاء اللاعبون تمكّنوا من إقناع الجميع بأن الشباب الجزائري بإمكانهم فعل الكثير وأنه يمكنهم أن يكونوا فخرا حقيقيا للبلاد. وأن الشباب بإمكانهم الفخر بأنهم جزائريون..."، وهذا هو الجواب الحقيقي على سؤال المجاهدة ظريف زهرة: الشباب الجزائري يعاني من مشكلة خطيرة، وهي عدم الاعتراف بقدراته. كما أن الشباب الجزائري يتعرض لقلة الاعتبار، لأن الشباب يعاني من التهميش الكلي في اتخاذ القرارات المتعلقة بمصيره. لقد أصبح شباب اليوم يعيش بدون مشروع، على العكس تماما من شباب 1962. كما أن شباب اليوم ليس لهم قدوة على عكس شباب 1954. إن شباب اليوم ليس لهم حلم! وماذا يمثل أي شاب بدون حلم يحيا من أجله؟ على صعيد آخر، وبكل صراحة، شباب اليوم أصبح لا يجد أي متنفس، بسبب عدم وجود فضاءات ثقافية وغيرها. مع العلم أن ذلك من مسؤولية الدولة: إلى أين ذهبت قاعات السينما والمسارح وقاعات الرياضة ومدارس الموسيقى، والاحتفالات...كل هذه البنى التحتية مهمة للشباب الذي يحتاج أيضا لإشراكه في اتخاذ القرارات التي تهم بناء مستقبله. واستشارته على الأقل بخصوص القرارات التي تهم مستقبل الشباب. وبكل صراحة وفي كلمة واحدة وبدون لف أو دوران، الشباب الجزائري يحتاج إلى الديمقراطية، لأنه وبدون ديمقراطية لن يتمكّن الشباب من الحصول على أي شيء ينقصه، والتي يمكن أن نعدّد بعضها: لا يوجد أي تنظيم سياسي خاص بالشباب، كما لا يتوفرون أيضا على حركة جمعوية، فضلا عن ذلك، لا تتعامل الدولة مع الشباب وفق خصوصياتهم، ولا على أساس شرائح الشباب المختلفة. يعلم الجميع أن تطلعات الشباب في الجامعة، تختلف عن تطلعات الشباب البطال. كما أن مطالب الشباب العامل، موظفا، أو في مهنة حرة، تختلف عن مطالب الطلبة في الثانوية...أين هي مجالس التربية، والشباب، وأين هي جمعيات البطالين؟ لقد أصبحت وزارة الشباب والرياضة لا تهتم سوى بكرة القدم، وكأن مشاكل الشباب لا تعنيها. والسؤال: كيف يمكن بعث التكفل بهذا الملف الهام الذي أعادت المجاهدة زهرة ظريف وضعه على الطاولة؟ إنه من الأفضل القيام بدراسة اجتماعية وطنية حول الوضعية الحالية للشباب، وماهي تطلعاته المستقبلية، ودوره في المجتمع، وستكون الدراسة الميدانية الأولى الخاصة بالشباب للاستماع لانشغالاته وتطلعاته ومطالبه، وماذا يريد الشباب قوله، وخاصة أن الجميع يعلم أن الحكومة لا تعرف كيف تستمع إلى الشباب، وتحديد ما يريدون التعبير عنه بدقة، وبالتالي لا يكون العلاج سليما في أغلب الحالات للأسئلة التي طرحتها المجاهدة زهرة ظريف. لقد فهم الوزير الأول الرسالة، واعترف بأن التكفل بالشباب لا يعني فقط تخصيص أغلفة مالية في قوانين المالية السنوية. فهناك مشاكل أخطر، ومنها الحراقة والمخدرات، والفشل الدراسي. أما الجهود المالية المبذولة، فستكون عديمة الجدوى، إذا استمرت الدولة في إنفاقها من أجل الشباب ولكن بدون إشراكهم.