الإجهاض.. جريمة كبرى رغم التستر والتكتم عنها وبذل كل الجهود لإخفاء خيوطها إلا أنها تطفو إلى السطح وتظهر. وبالرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية إلا أن الأرقام المتداولة حاليا تدل على تفاقم الظاهرة وفضلا على زيادة عدد الفتيات اللاتي وقعن في الخطيئة، هناك عدة تجاوزات تحدث في هذا المجال، كتهريب الأدوية من المستشفيات واستعمالها في عمليات الإجهاض التي تحدث في أماكن لا تخطر على البال.. فمن الشقق إلى الفيلات الفاخرة وحتى المستودعات.. كل ذلك في سرية تامة. زيادة على انتشار الظواهر غيرالأخلاقية في المجتمع الجزائري مؤخرا، بفعل التفسخ الكبير وسط الشباب وانتشار الآفات الاجتماعية كالتدخين وتعاطي المخدرات، فإن العلاقات خارج إطار الزواج تعرف هي الأخرى استفحالا كبيرا بين الشبان والمراهقين، مازاد من نسب الإجهاض.. فكم من مرة تم العثور على أجنة ميتة وأخرى مشوهة في المفرغات العمومية وفي الطرقات تم التخلي عنها بصورة بشعة. وكم هي كثيرة الفضائح التي فجرتها فرق الأبحاث التابعة للدرك في الإطاحة بالشبكات التي تمارس نشاط الإجهاض فكان مصير أفرادها القبوع وراء قضبان السجون، على اعتبار أن القوانين تعاقب كل من يمارس الإجهاض وكل من يساعد عليه، سواء بتقديم المال أو الأدوية والعقاقير أو بتقديم وصفات طبية، لكن مادامت هذه العمليات المشبوهة تتم في ظروف غامضة وسط جو من التكتم والسرية، ظهرت عصابات تمتهن “الحرفة” بحثا عن تحقيق الأرباح السهلة. وفي ظل ممارسة هذه الشبكات نشاطها بعيدا عن أعين الرقابة، على السلطات التدخل للحد من الظاهرة والتركيز على محاربة أسباب انتشارها، على اعتبار أن الإجهاض يرتبط بشكل مباشر بالعلاقات بين الجنسين خارج إطار مؤسسة الزواج. وفي هذا الصدد أفادت دراسة قام بها مجموعة من الأخصائيين الجزائريين أن أكثر من نصف الطلبة الجامعيين تورطوا في علاقات غير شرعية، وهذا الوضع يعرض حياتهم للخطر، فمن احتمال الإصابة بفيروس الأيدز، إلى إمكانية حصول حمل غير شرعي، إلى التفكير في إسقاط الجنين، إلى الوقوع بين أيدي شبكات الإجهاض، إلى الاستغلال والابتزاز والتهديد. كل هذا خوفا من نظرة المجتمع وخوفا من رد فعل الأهل والأقارب بعد اكتشاف أمر حملهن غير الشرعي. ويزيد الخطر على الفتاة إذا أصيبت بمضاعفات صحية خطيرة لجهلها بنوع الأدوية المقدمة لها وطريقة استهلاكها، ومن جهة أخرى جهل الناس الذين تسلم أمرها لهم بتقنيات العملية فأغلبهم غير مؤهلين ويمارسون المهنة في الظل بدون رقابة، بالإضافة إلى كون الأماكن التي تجرى فيه عمليات الإجهاض غير متوفرة على أجهزة التعقيم والنظافة والوسائل الضرورية الأخرى، ما يعرض حياتها للخطر، خاصة إن أصيبت بنزيف حاد يودي بحياتها ساعات بعد إجراء العملية الخطيرة. وفي المقابل كثيرا ما يتملص الرجل من المسؤولية ويتخلى عن الفتاة في حال حملها منه ويتركها لتتدبر حل مشكلتها لوحدها، وفي أحسن الظروف يقوم بإعطائها بعض المال لإجراء عملية الإجهاض، أو لشراء الأقراص والأدوية المستعملة لذات الغرض. تفكيك شبكات الإجهاض متواصل.. وتبقى الإحصائيات الرسمية غائبة لم تستطع “الفجر” الحصول على إحصائيات رسمية دقيقة حول عدد عمليات الإجهاض، في الوقت الذي تشير إحصائيات الشرطة القضائية إلى وجود 80 ألف حالة إجهاض بنوعيه الشرعي وغير الشرعي في السنة، إلا أنه لا توجد أرقام دقيقة تبين حجم انتشار الظاهرة وإن وجدت فهي لا تعكس الواقع.. فأغلب العمليات تتم في ظل سرية كبيرة ولا يتم الكشف عنها، لتبقى بعض الأخبار والمعلومات تنذر باكتشاف جثث لأطفال حديثي الولادة في الشارع من فترة لأخرى، بالإضافة إلى تفكيك شبكات متخصصة في عمليات الإجهاض ومساعدة الأمهات العازبات على إسقاط الأجنة. الجدير بالذكر أن الإجهاض ظاهرة وطنية ولم تعد حكرا على المدن الكبرى، وهي موجودة حتى في المدن الداخلية رغم طابعها المحافظ، أين تهرب الفتيات من عقاب المجتمع عن طريق التخلص العنيف من أجنتهن. ففي هذا السياق تمكنت فرقة الدرك الوطني للعاصمة مؤخرا من وضع حد لشبكة تتكون من عشرة أشخاص وسط مدينة الشراڤة مختصة في الإجهاض.. القضية، حسب قائد فصيلة الأبحاث التابعة لفرقة الدرك بالعاصمة، الرقيب حسين بلة، في ندوة صحفية عقدها منذ أيام بمقر الفرقة بباب جديد من قبل، ليتم التحقيق فيها لمدة أسبوعين، وعليه تم القبض على شخصين يصطحبان فتاة لإجراء عملية إجهاض، بشقة تقع بحي السوفي الواقع وسط الشراڤة. وكانت العمليات تتم بمساعدة امرأة في الخمسين من العمر وأخرى تعمل حلاقة وكذا منظفة بمستشفى مصطفى باشا الجامعي، حيث كانتا تدلان الفتيات الحوامل لهذا المكان. وبعد توقيف الزوج أكد أنها المرة الأولى التي يتم فيها إجراء عملية الإجهاض، لكن عملية البحث والتحري كشفت العكس، واعترف الزوج صاحب الشقة بإجراء ست عمليات، لكن التحقيق أكد تجاوزها ال 12 عملية في ظرف ثلاث سنوات. أمن وهران يطيح بشبكة إجهاض في ديار الحياة قامت عناصر الأمن الحضري الأول لأمن وهران، مؤخرا، بتفكيك شبكة مختصة في إجهاض الفتيات، بديار الحياة في وهران، حيث تمت العملية بعد تقديم مجموعة مواطنين لشكوى بسب حدوث شجار عنيف بإحدى الشقق بالحي، وقد وصل الشجار إلى حد كبير تعالى فيه صراخ النساء وغضبهم ووصل إلى درجة تكسير الأثاث. وبعد تنقل عناصر الأمن إلى عين المكان وجدوا أربع نساء يتشاجرن، وبعد القبض عليهن وتحويلهن إلى مقر مصلحة الأمن الحضري تبين أن الشجار سببه مبلغ مالي قدره 1 مليون سنتيم كان من المفروض أن تدفعه إحداهن للممرضة لتكمل مبلغ 4 ملايين سنتيم، وهو المقابل المادي الخاص بعملية إجهاض خضعت لها الفتاة بالمنزل. ومن خلال ذلك تبين أن هؤلاء النسوة لم يتورطن فقط في المشاجرة وإزعاج الجيران بل في عملية إجرامية تتعلق بالإجهاض، ومن هنا بدأت خيوط الجريمة تظهر. كشف التحقيق أن فصول القضية بدأت بعد اكتشاف الفتاة أنها حامل في شهرها الثالث وبدأت في البحث عمن يساعدها في التخلص من جنينها غير الشرعي، فاتصلت بالممرضة التي وعدتها بحل المشكلة في أقرب وقت، وحددت لها الموعد والمكان الذي ستتم فيه عملية الإجهاض بالشقة الواقعة بعمارة دار الحياة، التي هي ملك لصديقتها، وهناك تم الاتفاق على المبلغ الذي ستدفعه الفتاة والذي حدد ب 4 ملايين سنتيم. وحسب الموعد المتفق عليه توجهت الفتاة الحامل رفقة صديقة لها إلى تلك الشقة. وبعد التخلص من الجنين، نقضت الفتاة الاتفاق المبرم بينها وبين الممرضة ولم تسلم لها المبلغ المتفق عليه كاملا، حيث دفعت لها مبلغ 3 ملايين سنتيم فقط، وهو الأمر الذي لم تقبله الممرضة وطلبت منها عدم المغادرة إلى غاية قبضها المبلغ المتفق عليه.. فاندلع شجار عنيف ووصلت الأمور إلى حد الضرب. شبكة مختصة في الإجهاض بالدرارية تنشط تحت غطاء جمعية خيرية أطاحت فصيلة الأبحاث التابعة للدرك الوطني بالعاصمة، منذ أسابيع، بشبكة مختصة في إجهاض الفتيات كانت تنشط تحت غطاء جمعية خيرية، متخذة من مدينة الدرارية في العاصمة مقرا لها، وذلك بعد تحصل فصيلة الأبحاث على معلومات أفضت إلى مداهمة مقر الجمعية والقبض على رئيستها رفقة مساعداتها في حالة تلبس. في هذا الاطار، كشف قائد فصيلة الأبحاث بالمجموعة الولائية للدرك الوطني في العاصمة، خلال ندوة صحفية، أن الشبكات الإجرامية التي تنشط في عمليات الإجهاض، والتي أصبحت تتخذ الفيلات الفاخرة في العاصمة مقرات سرية لها، لازالت محل متابعة من طرف مصالح الدرك الوطني، مؤكدا أن الأيام المقبلة ستكشف عن الإطاحة بشبكات أخرى. وفي هذا الصدد، استطاعت فصيلة الأبحاث بالعاصمة الإطاحة بشبكة تضم سبعة أفراد كانت تنشط في مجال عمليات الإجهاض عن طريق أدوية مخصصة لذات الغرض، وذلك بتهريبها من مستشفى بني مسوس من طرف عامل وشريكه عون الأمن يعملان بذات المستشفى، واللذين ضبطت بحوزتهما كمية من الأدوية المستعملة في عمليات الإجهاض التي كانا يزودان بها رئيسة الجمعية مقابل 4 آلاف دينار للقرص الواحد. وقامت عناصر فصيلة الأبحاث، ظهيرة ال30 من ديسمبر الماضي، بمداهمة مقر الجمعية الخيرية “الرحمة”، جمعية للمعاقين حركيا وذهنيا، أين تم إلقاء القبض على رئيسة الجمعية، كما تم القبض على مساعدتها التي كانت تعمل منظفة بمستشفى بني مسوس، إضافة إلى فتاتين إحداهما كانت معنية بالعملية والتي يبلغ عمرها 22 سنة، إضافة إلى حجز كمية من الأدوية والأدوات الجراحية التي كانت معدة لإجراء العملية، وتم تقديمهم المتهمين لدى محكمة الشراڤة. المشرع الجزائري يشدد العقوبة على المساهمين في الإجهاض ومن الناحية القانونية، قال الأستاذ جمال سردوك، إن المشرع نظم عمليات الإجهاض في قانون العقوبات تحت القسم الأول من الفصل الثاني للجنايات المختصة بالأسرة والآداب العامة، معتبرا إياها جريمة نظمتها المادتين 304، 305 وحتى المادة 313. وقال محدثنا إن المادة 309 تناولت عقوبة الإجهاض بالنسبة للمرأة المعنية وحددها من 6 أشهر إلى سنتين وغرامة مالية من 250 إلى ألف دينار جزائري، وهنا علق على أن المشرع حدد العقوبة بين حدين أدنى وأعلى وفرق بين عقوبة المرأة المعنية والمساهمين في العملية. ففي المادة 340 شدد العقوبة على المساهمين سواء تمت العملية بموافقة المعنية أو لا؛ حيث سلطت عليهم عقوبة من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية تتراوح ما بين 500 إلى 10 آلاف دينار. وفي ذات السياق، أوضح محدثنا بأن المشرع شدد العقوبة على المساهمين أكثر من المعنية، ونوه بمضمون المادة 261 التي تنص على عقوبة الأم التي تقتل طفلها حديث الولادة وتساهل المشرع معها سواء تعلق الأمر بامرأة متزوجة أو أم عزباء، على اعتبار الظروف الاجتماعية والنفسية الصعبة التي تمر بها المرأة والتي دفعتها للقيام بهذه الجريمة. وفي حال وفاة المعنية، فإان القانون شدد العقوبة على المساهمين ورفعها من 10 إلى 20 سنة، حسب الحالة، كما شدد المشرع عقوبة المساهمين في حال ارتباطهم بمهنة الطب سواء بالنسبة للأطباء أو الصيادلة أو أطباء الأسنان أو القابلات، حيث تطبق عليهم المادتين 304 و305 حسب الحالة، كما يجوز للقاضي الحكم عليهم بحرمانهم من ممارسة المهنة كما، يعاقب القانون كل من يخالف الحكم ويعود إلى عمله.
كما أعفى المرأة من أي عقوبة إذا كان بقاء الطفل في أحشائها يضر بصحتها وأجاز لها إسقاط الجنين ولكن على أن يتم وفق الإجراءات الإدارية المعمول بها في المستشفى وأن تتم علنا دون سرية وبطلب من الطبيب المعالج