استطاع مئات المتظاهرين، أمس الأربعاء، محاصرة مجلس الشعب ومقر مجلس الوزراء في القاهرة في إطار حملتهم المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك الذي يحكم البلاد منذ نحو 30 عاما، فيما قتل ثلاثة متظاهرين وأصيب ما يقرب من 100 آخرين في مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد إثر اشتباكات مع الشرطة لم يكن من السهل أن ينتصر الشعب والشارع على فرعون العصر الحديث حسني مبارك و نظامه، الذي تفنن في إذلال المصريين بكل الطرق، لاسيما منها وزارة الداخلية التي ظلت لعقود طوال جلاد المواطن المصري وعصا مبارك التي يسوق بها شعبه نحو المجهول. لحظة ترقب صدور البيان رئاسة الجمهورية، كانت أشبه بلحظات الولادة القيصرية للشعب المصري، طيلة ال 18 يوم التي تكبد فيها الشعب خسائر جسيمة، كما هو حال الاقتصاد المصري الذي أصيب بالشلل بعد هجرة السياح عماد الاقتصاد في مصر. مدة الدقيقة التي ألقى فيها نائب الرئيس المصري عمر سليمان، أعادت الروح، ولم يصدق شباب التحرير أن مبارك تنحى مذلولا وتحت أقدامهم سقط بهذه السرعة. وعمت أجواء الفرحة في مشهد أسطوري، فسقط العديد من الشباب والنساء مغمى عليهم لشدة الفرحة، وهتف الجميع بصوت واحد:"الله أكبر، الله أكبر، النصر للشعب". مسلمون ومسيحيون.. يد واحدة صنع التلاحم الشعبي مشهدا آخر، يؤكد على أن الشعب أبقى والوطن أغلى، حيث لا تكاد تفرق بين إخواني أومسيحي، شيوعي أوليبرالي، فالجميع كان يدا واحدة ولم يتخلف عن ركب الشعب إلا أزلام النظام ومن لم يعد لهم صوت بعد أن بح في الدفاع عن مبارك لكسب المصلحة، لكن يد الشعب صفعت الجميع، وفخر المنافقين إلى مغارتهم بعد أن سقطوا مع النظام. ولم تسجل أي حالة لاعتداء أو تحرش خلال المظاهرات رغم العدد الخيالي التي حول شوارع مصر إلى ساحة لا موطئ قدم فيها، وتفنن المصريون في التعبير عن فرحتهم بين الزغاريد والرقص والغناء بال " دي جي" و البكاء فرحا، وتوزيع الحلوى والمشروبات وحتى الألعاب النارية. مشاهير النفاق السياسي في قفص الاتهام إلى الأبد في وقت غص فيه ميدان التحرير وجميع شوارع مصر ومحافظتها بالجماهير التي احتشدت للتعبير عن فرحتهم بهذا النصر العظيم، انضمت جميع أطياف الشعب الذين لم يشاركوا في الحدث لخوف منهم من بطش النظام أولمصالح أخرى. أولمصالح أخرى.. تلك العبارة التي لم ينساها الشعب المصري أبدا، فمشاهير النفاق السياسي من فنانين وإعلاميين ومشاهير وساسة، لن يغفر لهم غافر ذنوبهم وعارهم في بيع دم الشعب إرضاء لمبارك، وحاولت أذيال النظام التسلل إلى النصر وإعلان التوبة، فبكى عمرو أديب على الهواء مباشرة معلنا التوبة وبكى كل المنافقين.. لكن الشعب أكد أن من أساء إليهم وأساء إلى ثورتهم وشهدائهم وحاول إجهاضها ليس له مكان لا في قلوبهم ولا في شوارع مصر، وهنا تكون ذات الإمضاء التي وقعوا بها عقد الوفاء لمبارك ذاتها عقد موتهم من قلوب المصريين وشوارعها إلى الأبد. الجيش أفرج عن جميع المعتقلين السياسيين ونفس الصعداء كل من ظُلموا من قبل أجهزة الأمة والمخابرات المصرية التي قامت باعتقال الشباب الشريف الغيور على وطنه، ففور إعلان أنباء تخلي مبارك عن منصبه وتولي مؤسسة الجيش زمام الأمور، أصدر هذا الأخير قرارا قضى بالإفراج عن جميع الذين تم اعتقالهم في المظاهرات وقبلها، من الذين لم يشبت تورطهم في قضيا تمس بالأمن العام وجرائم وجنح جنائية، وهذا استجابة لثورة ال 25 يناير التي كان أحد مطالبها الأساسية إطلاق سراح المعتقلين. الصحف القومية المصرية تعلن التوبة.. موجة النصر شكلت إحراجا كبيرا للصحافة القومية وقنوات الإعلام الرسمية التي لم تدخر جهدا من أجل إجهاض ثورة الشرفاء، وها هي اليوم تحاول إقناع الجماهير أنها تابت من خلال تبنيها للإنتصار من خلال العناوين الوردية التي زخرفت بها صفحاتها للتعبير عن فرحة الشعب بالنصر. فالأهرام، الناطق الرسمي باسم مبارك، عنونت صفحتها الأعلى:"الشعب أسقط النظام، دماء الشهداء كتبت شهادة ميلاد جديدة لمصر"، ومهللة صحيفة الجمهورية بالنصر التاريخي الذي طالما وجهت صفحاتها لإجهاضه وكتبت أمس على صدر صفحتها الأولى قائلة:"وانتصرت ثورة ال25 يناير". أما صحيفة روز اليوسف، لسان حال النظام المصري السابق، فعنونت صفحتها الأولى "المستقبل الآن" معلنة ٍ توبتها وعودتها إلى صفوف الشعب. وعنونت صحيفة الأسبوع "مبروك لمصر سقوط النظام البائد"، ويرأس تحرر صحيفة مصطفى بكري، وهو السياسي الذي وصف بالمترنح خلال الثورة المصرية. ودعا التلفزيون المصري، الإعلامي البارز محمود سعد للتصرف بحرية ونقل روح النصر عبر شاشة التلفزيون الرسمي، الذي كان محمود سعد قدم استقالته منه رافضا تشويه صورة الثورة منذ أول يوم، وهو ما جعله اليوم يعتبر رمز للصمود لعدم تخليه عن إرادة الشعب برفضه ومقاطعة للحملة الشرسة التي استهدفت اغتيال ثورة ال 25 يناير. نشطاء الفايس بوك يحتفلون بالنصر على طريقتهم لم يفارق شباب ثورة ال 25 يناير صفحاتهم على الفايس بوك، فبعد أن كان الموقع سلاحهم الأهم الذي ضمن تنظيم صفوفهم، عادوا إليه اليوم منتصرين ليتبادلوا التهاني والفرحة. وكتب وائل غنيم على صفحة كلنا خالد الصفحة المفجر الأول للثورة : "لقد هرمنا.. لقد هرمنا.. من أجل هذا اليوم" وأضاف: "انتصرت دماء الشهداء.. ويحتفل المصريون الآن في ميدان الشهداء.. ميدان التحرير سابقا" وأكد شباب الفايس بوك عزمهم على تحويل حركتهم إلى حزب سياسي يناضل من أجل الدفع بمطالب الشعب نحو المزيد من النصر وضمان مراقبة العدالة الاجتماعية.