نجحت مصالح أمن ولاية الجزائر في تطبيق المخطط الذي وضعته من أجل توقيف مسيرة أول أمس، حيث عملت على احتواء المسيرة دون ارتكابها لأخطاء أو قمع أو ضرب، بل حتى أخطاء المسيرة الأولى تم تفاديها، والتي كثيرا ما تتحول الى شبهات تلاحق السلطات العمومية ورغم العدد الهائل لقوات الأمن، إلا أن التنسيق الذي عملوا به أظهر مدى الاحترافية التي أظهرتها القوات في المسيرة، وهو ما جعل المديرية العامة للأمن الوطني تؤكد في بيان لها أن تدخل مصالح الشرطة لتفريق تجمع للمتظاهرين يوم السبت على مستوى ساحة أول ماي وشارع محمد بلوزداد لم يسفر عن “أي حادث يذكر”. عملت قوات الأمن على الانتشار المكثف في كل أرجاء ساحة أول ماي، كما راقبت تخومها، لاسيما على مدخل شارع محمد بلوزداد، ووضعت العديد من أعوان الأمن الإضافية في حالة تأهب، كما طوقت الشوارع ومنعت سير المشاة في الشارع الرئيسي الرابط بين بلكور وساحل أول ماي، الذي خصص للمسيرة، فضلا عن العمل على عدة جبهات داخل المسيرة موزعة على فرق متكونة من أعداد محدودة، في حين شوهد أعوان الحماية المدنية وهم يتحركون في كل اتجاه بعضهم يحمل حقيبة ظهرية، تكون خاصة بالتدخل الطبي العاجل.. وفي حدود الساعة العاشرة، عملت قوات الأمن على منع مسيرة كان عشرات من الشباب نفوا انتماءهم إلى تنسيقية التغيير يريدون السير إلى ساحة أول ماي، دون أن يتعرضوا إلى الضرب أو القمع، وموازاة مع هذا الحدث، عملت قوات الأمن على منع التجمع لأكثر من ثلاثة أشخاص، وبمجرد أن التقت مجموعة من الصحافيين بالنائب عن الأرسيدي، طاهر بسباس، حتى طلبت منهم الشرطة الانصراف والتفرق، وهو ما جعل النائب بسباس يدخل في ملاسنة حادة مع رجال الشرطة، وكانت الشرطة تحاصر كل الأحياء والطرق بقوات أمنية، حيث سعت إلى تفريق أي تجمع قد يكون أصحابه ينتمون الى التنسيقية. وفي حدود الساعة العاشرة والنصف بدأ العمل الحقيقي للشرطة، من خلال البدء في مواجهة المسيرة ومحاولات منعها، حيث كان الهدف من خلال زيادة أعداد قوات الأمن هو تشتيت المتظاهرين عبر الأحياء المتاخمة لساحة أول ماي ومنعهم من التجمع، أو بلوغ ساحة أول ماي، بخلاف المسيرة السابقة التي استطاع فيها المتظاهرون التجمع في ساحة موقف السيارات، ما أرغم الشرطة على اعتقال عدد من الشباب المشاركين في المسيرة. والملفت للانتباه هو أن الأمن لم يعزز صفوفه بقوات من العنصر النسوي، التي توكل لها مهمة مواجهة النساء، ما يؤكد أن الشرطة عملت على اجتناب التوقيفات، وعدم الدخول في احتكاكات مع المتظاهرين. وقد عملت قوات الأمن على تشتيت المتظاهرين وتفريقهم، عن طريق الدفع غير المصحوب بالقوة في اتجاهات متباعدة، دون اللجوء إلى الضرب أو التهديد أو حتى الشتم، وحرصت عناصر قوة مكافحة الشغب على عدم الكلام مع أي شخص، سواء من المتظاهرين أو المناوئين لهم، أو الفضوليين الذين أغرقوا المكان، وكانوا أكثر من نشطاء المسيرة، مع تفادي أي سجال يرغمهم على اتخاذ إجراءات الاعتقال أو التوقيف، كما سمحت التدابير المعتمدة “بإخلاء الفضاء العام الذي تم شغله بطريقة غير قانونية وذلك ليتم تسهيل تنقل الأشخاص والسيارات و تفادي أي عمل من شأنه المساس بالنظام والأمن العموميين”، كما جاء في بيان المديرية العامة. والملفت للانتباه هو أن أعوان الأمن استطاعوا تحقيق الهدف الموكل اليهم، دون اللجوء إلى الطرق المعروفة، مثل الغاز المسيل للدموع، أو الهراوات، والمواجهة العنيفة غير المجدية، وهو ما أقرته في بيانها الذي عقب الأحداث مباشرة، حيث قالت “تدخل أعوان الشرطة في إطار الاحترام الصارم للقوانين من خلال إخلاء الطريق العام دون اللجوء إلى الوسائل التقليدية المستعملة في مثل هذه الحالات (القنابل المسيلة للدموع والهراوات...إلخ)”. وما يحسب لقوات الأمن هذه المرة، وربما للمتظاهرين أيضا، هو عدم تسجيل أي إصابات خطيرة، باستثناء إصابة النائب عن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، طاهر بسباس، وهو ما يؤكد أن قوات الأمن عملت على تنفيذ الأوامر التي أوكلت إليها دون اللجوء إلى القوة أو العنف.