وأخيرا قال وزير الخارجية الجزائري كلاما واضحا ومسموعا بشأن ليبيا، عندما دعا إلى وقف القتال والتدخل الأجنبي في ليبيا. لا أدري إن كان هذا الموقف الجديد للدبلوماسية الجزائرية جاء استدراكا للوضع، خاصة بعد الانتقادات التي وجهها محللون للجزائر، إذ رأوا أن الجزائر ضيعت فرصة تاريخية لقيادة العمل العربي المشترك في ليبيا لإرغام القذافي على التنحي، قبل أن تتحرك فرنسا والحلفاء لما لبلدنا من وزن في علاقتها بليبيا. أم أن تبلور الموقف الجزائري جاء بعدما ظهر تناقض في مواقف الحلفاء بشأن ليبيا، فمنهم من يرى ضرورة إسقاط القذافي، ومنهم من يقول إن التدخل جاء لحماية المدنيين من نيران القذافي، وهو ما ينذر بفشل للعمليات العسكرية في ليبيا التي قد تنتهي قبل أن تطيح بالقذافي الذي، في الحقيقة، هو أكبر خطر، ليس على الشعب الليبي؛ بل على المنطقة كلها. فهل أقنعت الجزائر بهذا النداء قوات الحلفاء بالانسحاب؟ مهما يكن من أمر الموقف الجزائري ومن حقيقة ما يحدث على التراب الليبي، فإنه ليس من السهل على الجزائر أن تتخذ موقفا واضحا ضد هذا السفاح حماية لحدودنا مع الجماهيرية، مما قد يلحقه هذا الرجل بأقاليمنا الجنوبية من مشاكل أمنية، ولدينا من التجارب ومن محاولات تحريك للتوارڤ وتشجيعهم على الانفصال ما يكفينا لكي نأخذ الحيطة، خاصة وأن بلادنا مرت بأوضاع أمنية صعبة ووجدت نفسها في عزلة من كل الجهات بما فيها الجهات العربية، وبما فيها الجماهيرية ذاتها، التي سهلت تسريب الأسلحة إلى التراب الجزائري، بما في ذلك أسلحة قادمة من إسرائيل. وخطر الأسلحة وتسريبها إلى التراب الوطني ما زال قائما خاصة في ظروف كهذه الظروف، وتهديد القذافي لمن وقف ضده لا بد أن يؤخذ مأخذ الجد، خاصة من طرف الدول المجاورة لحدوده والتي ذاقت الويلات على يد جار السوء هذا. لكن هذا لا يبرر أن نشجع على بقاء القذافي في ليبيا، لأنه إن نجا هذه المرة وبقي في الحكم - لا قدّر الله - لن يقضي فقط على كل من عارضه في ليبيا؛ بل سيعمد فعلا إلى دعم انتشار القاعدة في شمال إفريقيا وفي منطقة الساحل، وستكون الجزائر أول المتضررين من هذا التنظيم، فقد كنا أول ضحايا الجماعات الإسلامية المسلحة ودفعنا الثمن أضعاف ما دفعته كل الشوارع العربية مجتمعة في الحراك المسمى بالثورات العربية.