كانت مدينة تلمسان، أول أمس، عاصمة ليس للثقافة الإسلامية فحسب، وإنما عاصمة للجزائر، باعثة مجد الزيانيين التليد، وهي تستحق أن تكون كذلك، ليس لهوائها ومائها وتلحيفة نسائها، كما يقول المثل الشائع في المنطقة، وإنما أيضا لجمال عمرانها الذي دعمه برنامج عاصمة الثقافة الإسلامية بمنجزات ضخمة جعلت من المدينة جوهرة عمرانية ذكرتنا بغرناطة وطليطلة وزمان الوصل بالأندلس. لكن، ما يعاب على التظاهرة التي استقطبت جمهورا غفيرا عند افتتاح عرض "تلمسان صدى الإيمان"، ذلك العرض الكوليغرافي الذي أعده عبد الحليم كركلا، الفنان اللبناني الذي صار صديقا للجزائر منذ فترة، بعد أن أكرمته في كل مرة بمشاريع بالمليارات في كل مناسبة ثقافية.. ما يعاب على العرض المغالطات التاريخية التي سقطت فيها الملحمة، التي حاول من خلالها كركلا تقديم قراءة لكل المراحل التاريخية التي عاشتها الجزائر منذ ماسينسا إلى عبد القادر المالي، فكسيلة لم يدخل الإسلام مثلما حاولوا تحريف التاريخ وإنما قتل على يد زهير بن قيس البلوي، بعد أن أمر أبى المهاجر دينار بقتله.. وقد أمر أبو المهاجر الملك كسيلة بذبح تيس، وهو الملك ذو الشأن الرفيع لدى قبيلته أوربة البربرية، ففعل الملك صاغرا، ونظر باتجاه أبي المهاجر ومرر يده الملطخة بدم التيس على لحيته في إشارة وعيد بالانتقام، وهو ما جعل الحاضرين يشيرون على أبي المهاجر بقتل كسيلة لأنه إن لم يفعل فهو من سيقتله، وهو ما لم تشر إليه الملحمة التي جعلت كسيلة يدخل الإسلام فرحا مقتنعا بالدعوة الجديدة. التاريخ لا يقول بأن الكاهنة ماتت على سرير الموت، كما يقول كركلا، بل يقول إن رأسها فصل عن جسدها وأرسل إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في دمشق، فهل نشوة الاحتفال تجبرنا على الإساءة للتاريخ؟! ويعاب على العرض أيضا الطابع المشرقي للرقصات والأزياء التي اختارها كركلا، حيث تخللته الكثير من اللوحات الراقصة على طريقة الدبكة اللبنانية، وحتى الموسيقى والنغم كان مشرقيا خالصا. شخصيا، أحب الدبكة وأطرب لها كثيرا، لكن ليس في تلمسان محلها، وكان على كركلا أو من أسند إليه المشروع، أن ينصحه بإدخال الرقصة الشاوية "الرحابة" أو الاستعانة بأغاني شاوية من تلك التي تحسن أدائها حورية عيشي مثلا، لأنه لو فعل لكان العرض أكثر واقعية وأكثر أمازيغية. أيضا في فيديو الختام الذي أقحمه مخرج العرض عندما انتقل من الحديث عن الأمير عبد القادر وأشعاره وبطولاته، مباشرة إلى الحديث عن عبد القادر المالي، مختصرا الكثير من الأسماء والبطولات، منها مثلا، بطولات الرئيس الأسبق أحمد بن بلة، الذي كان حاضرا في القاعة. هي مجموعة ملاحظات حملتها معي من تلمسان، حول عرض افتتاح تظاهرة تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، كان من المفترض أنه جزائري..