دولة الصمود والممانعة، هكذا يصف نظام الأسد سوريا كدولة استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، محاولا إيصال فكرة إلى أعدائه بأنه وحده القادر على كبح الخطر الممتد إلى سوريا عبر مجالها الجغرافي وحدودها الحساسة مع دول الصراع في منطقة المشرق العربي، فبالإضافة إلى علاقتها الاقتصادية والتاريخية مع بوابة أوروبا تركيا، تربط سوريا علاقات سياسية تزداد حساسية كلما اتجهنا جنوبا ونحو الشرق، لما تلعبه من دور يصنع روح منظمة حماس، وكذلك إيران وحزب الله اللبناني، كما تمتد خيوط سوريا السياسية نحو منطقة الخليج العربي إنهاء الانقسام الفلسطيني.. كشف المستور في قضية الحريري وانعكاسات تمتد حتى دول الخليج سوريا إذن؛ عصب حساس في الصراعات التي تعرفها تلك المناطق، ويعتبر سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد مؤشر على خلط أوراق تلك القضايا وطريق نحو تكشف حقائق إقليمية أخرى ظلت حبيسة الأدراج. فحتى مجال الإعلام يعيش خريف الاستقالات احتجاجا على تناولها لموضوع سوريا بشكل أيديولوجي بعيدا عن الحيادية. يتفق الخبراء، مع نظام الأسد في ذلك التوصيف، المرتبط بسوريا منذ حكم الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وإلى غاية وصل بشار الأسد إلى الحكم خلفا له، لكي يواصل المسيرة ونهج والده بشكل شبه ديمقراطي بعدما تم تعديل الدستور السوري ليترشح بشار لولايته الأولى عام 2000 ليفوز بنسبة 97,29٪، وبعدها بسبعة أعوام، تم تجديد وولايته بنسبة 97,62٪ وبلغت نسبة المصوتين 95,86٪. ويؤكد الخبراء والمؤرخون على أن تداعيات انتفاضة المعارضة الشعبية السورية إذا ما نجحت في إرغام الرئيس الأسد على الرحيل، وهو ما يعني سقوط نظام البعث الحاكم،ستمتد إلى ما أبعد من ذلك وسيترتب عنها دخول دول المنطقة في مرحلة تغيير جذرية تعيد رسم خارطة الشرق الأوسط. وتعتبر علاقة سوريا بحركة المقاومة الفلسطينية “حماس”، من أبرز الملفات الإقليمية التي سيحملها معه التغيير في سوريا، ويغذي تأييد سوريا لحركة حماس ودعمها لها المشكلات بين “فتح” و”حماس” التي لا يزال الانقسام الفلسطيني يصطدم بإصرار حماس على المقاومة المسلحة، بينما ترى فتح أن لا بديل لحل القضية الفلسطينية عن الحلول الدبلوماسية من خلال المفاوضات لبحث السلام مع إسرائيل. ورغم أن سوريا أجرت مفاوضات مع إسرائيل في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد،حول الجولان، إلا أن تلك المفاوضات لم تؤثر على علاقتها مع حركة حماس، وبقيت سوريا تحتضن المقاومة. ويواصل الأسد دعم حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، وهو ما يفسر تطور منظمة حماس واستمرارها رغم تعرضها على مدى سنوات طويلة للضغط والابتزاز الإسرائيلي والأمريكي. وقد يتجه الملف الإقليمي الأبرز في الصراع الإسرائيلي نحو منعرج حاسم إذا ما سقط بشار الأسد ونظامه، فستتحول القضية نحو ميلان كفة حركة فتح، وهنا لا يستبعد الخبراء أن يكون لحركة فتح الفلسطينية دور في تحريك المشهد السوري، وإذا ما ربطنا غلق سوريا لحدودها مع الأردن بعدد الفلسطينيين في الأردن سيتضح المشهد أكثر. كما أن إسرائيل تريد فك التحالف بين سوريا وكل من إيران وحماس وحزب الله، وسيحاول الإسرائيليين الحصول على ثمن مقابل انسحابهم من الجولان. على صعيد آخر، فإن النظام السوري يعبد للدور التركي في المنطقة، وهو ما أدى إلى تطور العلاقات السورية التركية، بشكل كبير على أغلب المجالات، من خلال التنسيق السياسي المستمر بين قيادتي البلدين، إضافة إلى تنامي العلاقات الاقتصادية بينهما، فقد تم توقيع مذكرة التفاهم للتعاون في مجال التخطيط عام 2004، كما شهد هذا العام تشكيل مجلس التعاون الاستراتيجي ودخول اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وسورية حيز التنفيذ وإلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين. وتجاوز حجم التبادل التجاري بينهما حاجز 2 مليار دولار في العام الماضي، في حين يعتزم البلدان رفع حجم هذا التبادل إلى 5 مليارات دولار في السنوات المقبلة. وقع الطرفان اتفاقية حول التعاون المشترك ضد الإرهاب والمنظمات الإرهابية تعزيزا للتعاون الأمني بينهما. ويدور فلك النظام السوري حول لبنان لما يربطها بها من علاقات تاريخية كبيرة خاصة وأن لبنان كان جزء من سوريا الكبيرة ويتبع لها ولا تزال تربط مواطني البلدين علاقات قوية، كما أن تداعيات سقوط نظام الأسد ستمتد اقتصاديا على لبنان الذي يستورد المنتجات الأساسية من سوريا التي تقوم باستيرادها من تركيا، هذا ويعتبر ملف اغتيال رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري محطة أخرى متعلقة بالنظام السوري، الذي تحمل جزءا من غضب الشارع اللبناني والدولي، وذلك بسبب الوجود السوري العسكري والاستخباراتي في لبنان، وكذلك بسبب الخلاف بين الحريري وسوريا قبل تقديمه لاستقالته. وقد قامت لجنة من الأممالمتحدة بقيادة ديتليف ميليس بالتحقيق في الحادث حيث أشار التقرير إلى إمكانية تورط عناصر رسمية سورية وسبب اغتياله قيام ثورة الأرز التي أخرجت الجيش السوري من لبنان، وأدت إلى قيام محكمة دولية من أجل الكشف عن القتلة ومحاكمتهم. في المقابل تربط علاقات قوية بين سوريا وحزب الله اللبناني وببعض قيادي الأحزاب اللبنانية مثل تيار التوحيد والمردة وهيدي. تدعم سوريا تلك الأحزاب. وتوصف علاقات سوريا بإيران بالقوية إلى درجة تأثيرها على منطقة المشرق العربي ككل، وبينما تسعى الدول الكبرى للعب دور أكثر فاعلية في المنطقة وخاصة منها إسرائيل من أجل فك لغز تلك العلاقة الطردية المتبادلة بين إيران وسوريا من خلال بحث سبل شقها، يقول الخبراء في هذا الصدد أن أعداء تلك العلاقة والساعين إلى الضغط على سوريا يتحدثون عن ضرورة فصل إيران عن سوريا وليس سوريا عن إيران. وهو ما يعكس أن إيران هي العصا السحرية في يد سوريا وسقوط نظام الأسد يجعل من المهمة أسهل بالنسبة لقيادة إسرائيل تحديدا. ومن هذه النقطة أيضا، لا يستبعد المراقبين إلى أن تقوم إيران بأدوار أكثر استراتيجية في المنطقة من أجل الدفاع عن صمام الأمام لمصالحها، وضمان عدم سقوط نظام الأسد وحزب البعث السوري، وإن استلزم ذلك ضرورة تدخلها العسكري في المنطقة لخلط الأوراق وحتى تشكيل جبهة جديد للنزاع على مستوى الخليج العربي وفي الإمارات البعيدة عن موجة التغيير التي يعيشها العالم العربي. محمد علال مساع دولية لتضييق الخناق على الأسد قالت بريطانيا، أمس، إنها تعمل مع شركائها الدوليين بشأن إمكانية اتخاذ إجراءات جديدة ضد سوريا، ودعت الرئيس السوري بشار الأسد لوقف الهجمات على المحتجين المناهضين للحكومة. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج: “تعمل المملكة المتحدة بشكل مكثف مع شركائنا الدوليين لإقناع السلطات السورية بوقف العنف واحترام الحقوق الإنسانية الأساسية والعالمية في حرية التعبير والتجمع”. وأضاف “هذا يشمل العمل مع شركائنا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإرسال إشارة قوية للسلطات السورية تفيد بأن أعين المجتمع الدولي مسلطة على سوريا، وكذلك العمل مع شركائنا في الاتحاد الأوروبي والمنطقة بشأن إمكانية اتخاذ مزيد من الإجراءات. هذا ويبحث البيت الأبيض الأمريكي فرض عقوبات على الحكومة السورية رداً على أعمال القمع العنيفة ضد المحتجين، وقال مسؤول أمريكي إن إدارة الرئيس باراك أوباما تبحث فرض عقوبات ضد مسؤولين بالحكومة السورية لزيادة الضغوط على الرئيس بشار الأسد،، ومن المرجح أن يصدر ذلك في صورة أمر تنفيذي يوقعه الرئيس الأمريكي. لكن لم يصدر قرار نهائي بعد بشأن التوقيت المحدد لمثل هذه الخطوة وهل قد تشمل الأسد نفسه.