أكد رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، بوجمعة غشير، أن قانون الإعلام الحالي صدر في ظروف كانت مواتية لترقية حرية الصحافة، وأنه يخشى أن يقع تراجع عن هذا المكسب في القانون الجديد. وقال الأستاذ بوجمعة غشير، في حوار مع “ الفجر”، إن رفع التجريم مطلب قديم لكل الصحفيين والحقوقيين والعاملين في مجال الإعلام، لكن رفع التجريم يجب أن يرافقه مستوى عال من الشعور بالمسؤولية لدى الصحفي، لأن الصحافة حرية ومسؤولية “من أقروا التضييق على الصحافة من قبل هم أنفسهم الذين يحاولون رفعه تحت ضغط رياح التغيير” “على الناشرين الالتزام بالتكوين وعلى الهيئات الرسمية التمكين من الوصول إلى المعلومة” رئيس الجمهورية أعلن في خطابه للأمة الأخير أن قانون الإعلام الجديد سيأتي بمعالم لمدونة أخلاقية ويتمم التشريع الحالي، خاصة من خلال رفع التجريم عن الجنح الصحفية، ماهي نظرتكم كرجل قانون ومتابع لواقع الإعلام عموما إلى ما قاله القاضي الأول في البلاد، وفي أي سياق يمكن تصنيفه؟ قانون الإعلام الحالي صدر في ظروف كانت مواتية لترقية حرية الصحافة، لذلك رغم أنه تضمن عدة مواد تعاقب الصحفي فإنه بالمقابل تضمن أمورا تعتبر مكسبا للصحافة والصحفيين في الجزائر، وما أخشاه أن يقع تراجع عن هذا المكسب في القانون الجديد نظرا للفكر السائد لدى المسؤولين السياسيين وما كيل للصحافة من تهم خلال العشرية الماضية. رفع التجريم عن جنح الصحافة مطلب قديم لكل الصحفيين والحقوقيين والعاملين في مجال الإعلام، لكن رفع التجريم يجب أن يرافقه مستوى عال من الشعور بالمسؤولية لدى الصحفي، لأن الصحافة حرية ومسؤولية، ويجب أن يكون حجم الحرية مساويا لحجم المسؤولية حتى تستقيم الأمور. والحارس الأمين الضامن للتوازن الواجب بين الحرية والمسؤولية هو التزام الصحفي بمدونة سلوك، وهي مدونة يجب أن تكون محررة ومصادق عليها من قبل الصحفيين أنفسهم، ولا تحررها جهة أخرى. الحراك الاجتماعي والرغبة الملحة في التغيير لدى كل فئات المجتمع، وما يعانيه مجتمعنا من فساد وقمع للحريات يتطلب فضاءات أوسع للتعبير وصحافة حرة ومشاركة أوسع للمواطن في الحياة العامة، وهذا ما يفرض أن يتمتع المواطن بحقه الكامل في الإعلام، هذا الحق لا يمكنه أن يتحقق دون فتح المجال للصحفي في الوصول للمعلومة، وشفافية أكثر في تسيير الشؤون العامة. ما قاله الرئيس في رأيي الخاص يندرج في سياق تهدئة الساحة الوطنية، والظهور بمظهر العامل على الإصلاح والتغيير، وخاصة في هذا الوقت الذي تعرف فيه الساحة العربية غليانا غير مسبوق. أعلن وزير الاتصال، ناصر مهل، عن إقرار نص يتعلق برفع التجريم عن الصحفيين، مؤكدا أنه سيتم عرض النص الخاص أمام مجلس الوزراء عشية الاحتفال باليوم العالمي لحرية التعبير، كيف ينظر الأستاذ غشير إلى هذا القرار؟ ما صرح به وزير الاتصال عن إقرار نص يتعلق برفع التجريم عن جنح الصحافة، حلقة من مسلسل التصريحات التي تحاول استباق الأحداث وتهدئة الساحة الوطنية، لكن ما نرجوه أن لا يتعلق الأمر فقط بتعديل بعض مواد قانون العقوبات، بل يجب أن يتعدى الأمر إلى إلغاء مجموعة المواد التي تضمنها قانون الإعلام والتي تعتبر في مجملها قانون عقوبات موازيا. هل يمكن أن يعطي قرار رفع عقوبة تجريم الصحفي دفعا لحرية التعبير في بلادنا وللصحافة بشكل خاص؟ أم أن الإبقاء على تغريم الصحفي يعد في حد ذاته عقوبة، ومعرقلا للعمل الصحفي؟ بالتأكيد، رفع التجريم عن جنح الصحافة من شأنه إعطاء دفع لحرية التعبير، لأنها تزيل عبئا ثقيلا عن كاهل الصحفيين، وتجعلهم يتخلصون من هاجس المتابعة القضائية، كما يتخلصون من الرقابة الذاتية، غير أن تغريم الصحفي حقيقة هو عقوبة، قد تكون أحيانا أشد وطأ من الحبس، لكن يجب إعادة صياغة القانون بطريقة تأخذ بعين الاعتبار حسن نية الصحفي في التعاطي مع الخبر والمجهودات التي بذلها من أجل الحصول على الحقيقة، ومدى استفادة المجتمع بالخبر مقارنة بالضرر الذي أصاب الشاكي. الاجتهاد القضائي الدولي يبرئ الصحفي إن كان حسن النية وبذل مجهودا جادا في البحث عن الحقيقة، وما نشره يعود بالفائدة على المجتمع حتى إن أصاب شخصا أو مجموعة بضرر. حسب رأيكم، ما هي الإجراءات والمبادرات التي يمكن اتخاذها إلى جانب رفع التجريم لجعل الصحافة في الجزائر أكثر مهنية واحترافية؟ بعد رفع التجريم لابد من اجتماع العائلة الصحفية والعمل على ضبط مدونة سلوك يتبناها كل الصحفيين ويلتزمون بالعمل ضمن إطارها، كما على الناشرين الالتزام بالتكوين المستمر للصحفيين، وعلى الهيئات الرسمية فتح أبوابها أمام الصحفي وتمكينه من الوصول إلى مصادر الخبر. هناك عراقيل تبقى موجودة أمام الوصول إلى مصدر الخبر، ويكفي أن رئيس مجلس قضاء يرفض التصريح بحجة التحفظ، فهل ترون أن هناك إرادة سياسية فعلا لتجاوز مثل هذه العراقيل؟ يجب أن لا ننسى أن من أقروا التضييق على الصحافة من قبل، هم أنفسهم الذين يريدون الآن، في ظروف خاصة، وتحت ضغط رياح التغيير، أن يرفعوا هذا التضييق، وبالتالي لابد من التعامل مع الأمور بكثير من الحذر، لأن الإرادة السياسية في البلاد تهدف أساسا إلى تفويت الفرصة على المطالبين بالتغيير والمتابعة الجيدة لتصريحات بعض المسؤولين والقراءة المتأنية لخطاب الرئيس الأخير وتكليف وزير الداخلية بتطبيق الإصلاحات، قرائن كافية للقول إنه لا وجود لإرادة سياسية لتجاوز العراقيل أمام الصحافة ولا للعمل على التغيير نحو الأحسن.