"اِحذروا دكتاتورية الثورات".. هكذا نصحني صديق لي من الاتحاد الأوربي أمس عبر الهاتف، وقال إن ما يعيشه الوطن العربي من ثورات، بين مزدوجتين - والكلام له - يواجه اليوم ديكتاتورية لا تقل خطورة عن دكتاتورية الطرابلسية في تونس تحديدا. نعم - قال - تونس تعيش اليوم مرحلة من الغموض المخيف، "تصوري أن شخصية مثل سهام بن سدرين، المعارضة التي ذاقت ويلات السجون، وتكلمت في زمن خرص فيه الرجال، مازالت اليوم تعاني من نفس التكتيم والتعتيم بدليل أن راديو - كلمة - الذي كان محظورا في زمن بن علي، مازال ممنوعا من البث حتى اليوم، ويقوم رئيس تحريرها هذه الأيام بإضراب عن الطعام، لكن يبدو أنه لن يجد من يكترث لأمره". في حين يقول صديقي الذي كان يشتط غضبا، أن "واحدا" مثل "النذل" سامي الفهري، صديق الطرابلسية والذي كان شريكا لبن علي والطرابلسي والنجم التلفزيوني المعروف في عهد بن علي لم يمنع قناته "التونسية" من البث، بل زاد حضوة وقربا من الدوائر الحاكمة في تونس. نعم، تونس التي نحلم بها جميعا، والتي نريدها قطب حرية وإشعاع، ليست بخير هذه الأيام، والخطر ليس من حركة النهضة وحدها، التي باتت تهدد مستقبل الديمقراطية واللائكية في تونس، بل من بقايا نظام بن علي، الذين اندسوا من جديد في دواليب الحكم، حتى أننا بتنا نشك أن النظام التونسي قد سقط فعلا هناك برحيل بن علي. أخاف أن يخلق عشرات بن علي آخرين، وآلاف الطرابلسية، ومبارك وسوزان وليلى في البلدان العربية التي مازالت نيران ثوراتها مشتعلة. ودكتاتورية الثورات نعرفها جميعا، عرفناها مع الثورة البلشفية التي أدخلت الشعوب السوفياتية في حقبة طويلة من الظلام والحرمان، وعرفنا ديكتاتورية الثورة الفرنسية التي كادت تعصف بأفكار الحرية والتنوير وعادت بالجمهورية إلى ماهو أسوأ من الملكية، إلى الامبراطورية وظلمها وأفكارها المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولم تتمكن فرنسا من فرض نظامها الجمهوري إلا بعد عشرات السنين من الصراع والثورة والثورة المضادة. ولا ننسى دكتاتورية الثورة الكوبية، التي رهنت مستقبل أجيال كاملة في جزيرة الحرية، ورغم الأفكار الجميلة التي داعبت خيال شي غيفارا وفيدال كاسترو، لم يصل الشعب الكوبي إلى الرفاه المنشود والحرية الموعودة.