يعيش عمال الإدارات وأعوان الاستقبال معاناة يومية تصنعها سوء تصرفات بعض المواطنين. وبحكم مناصبهم الحساسة التي تعكس الصورة الأساسية للمؤسسة، يضطر هؤلاء إلى تحمل مختلف سلوكات المواطنين تصل إلى مواجهة الإساءة بالحسنة، حتى لا يخسروا عملهم. والأكثر من ذلك فهم مطالبون بأن يُهدئوا من روع أي مواطن يتعامل بحدة أو عصبية أو سوء تهذيب.. من خلال استطلاع قامت به ‘'الفجر'' مع عدد من الموظفين الذين يحتكون مع المواطنين بشكل مباشر في بعض المؤسسات المختلفة، مثل البنوك والبلدية والدائرة، يمكن استنتاج مرارة ما يعانونه من سوء معاملة بعض الزبائن، إذ سردوا بعض المواقف التي اعتبروها جارحة ومهينة لكرامتهم. وظيفة تتطلب مرونة وقوة شخصية أجمع الكثير من المواطنين الذين قابلتهم “الفجر” أن مهنة موظف الاستقبال أو عامل الادارة، وكل وظيفة تتطلب احتكاكا دائما مع الناس، تتطلب أشخاصا يتمتعون بصدر رحب وشخصيات منفتحة واجتماعية، حتى تتمكن من التعامل مع عقليات وطبائع مختلفة من شأنها أن تثير انزعاج أي شخص عادي. كما تزداد مهمة هؤلاء صعوبة حين تعاملهم مع كبار السن.. هذا ما ذهب إليه الكثيرون، على غرار سمية، الموظفة في إحدى البلديات، والتي تجد صعوبة كبيرة في إيصال المعلومة للشيوخ والعجائز الطاعنين في السن، والذين يصعبون عليها عملها بأسئلتهم المتكررة، كما أن الناس يختلفون في درجة استيعابهم للأمور، ما يجعلها تأخذ كل واحد وفق طبيعة شخصيته، وتحمل كل هذه الأعباء يتطلب شخصية خارقة.. على حد تعبير منى، التي تشتغل في نفس المجال، وتضيف:”نضطر لتحمل الجميع، في حين يلومونا الجميع عند أي غلطة من جهتنا وكأننا أشخاص فوق العادة”. إهانات وشتائم.. في سبيل خدمة المواطن بدايتنا كانت مع لامية، موظفة في أحد البنوك، وبحكم موقعها واحتكاكها المباشر مع زبائن كثيرين التي تتعرض لمواقف حرجة بسبب بعض المواطنين الذين وصفتهم ب ‘'غير المهذبين''، تقول إن ضغط العمل يزداد حدة بدءا من منتصف كل شهر، حينما تدفع رواتب الأجراء ‘'، ومن هؤلاء من لا يتقن ملء الصك، وإذا طلبت منه الاستعانة بأحدهم بحكم الطوابير الطويلة المنتظرة، يبدأ في الصراخ ويطلب منها عنوة ملأه، وهذا غير قانوني، “فأضطر للاستعانة بعون أمن المؤسسة لتهدئة الأوضاع، بالإضافة الى أن الكل في عجلة من أمره ولا يدركون ان التعامل مع الأوراق النقدية يحتاج إلى الدقة في العمل''. من جهته اعتبر موظف آخر من ذات البنك، أن طبيعة المواطن الجزائري تجعل ظاهرة سب وشتم موظفي الإدارات والاستقبال تستفحل أكثر فأكثر، وقال المتحدث الذي طلب عدم ذكر اسمه، “إن السبب يعود إلى أن المواطن لا يتقن عموما فن الاستماع، فالاتصال مبني على الاستماع والإنصات وفهم المعنى من الحوار، والذي قد يعرض خلاله اتباع طريقة ملء الاستمارات أو الوثائق الرسمية، ولكن هذه النقطة مغيبة في التعاملات اليومية للمواطنين، لذلك فإن حالات النرفزة والصراخ والشتائم تكاد لا تغيب عن التعاملات اليومية مع مثل هؤلاء الزبائن''. تحدث إلينا موظف استقبال بإحدى الإدارات العمومية بشيء من التفهم، قائلا” لا بد من إحداث نوع من التوازن بين المواطن والإدارة، حتى تسير الأمور بشكل عادي”، مضيفا أن العمل مع المواطنين متعب للغاية، “إذ علينا نحن الموظفين أن نراعي في عملنا اختلاف الناس الذين نتعامل معهم، فمنهم من يتحدث بكل هدوء، وآخرون يشيبون شعر الرأس، وتصل المسألة أحيانا إلى التطاول علينا بالسب والشتم وبأقبح الصفات، لكننا نحاول قدر الإمكان تفهم الحالة بالإسراع في حل المشكلة والصبر على انفعالات المواطنين، وهذا هو دورنا كإداريين، أي علينا أن نجعل بعض التوازن في عملنا لإعطاء أولا نظرة إيجابية عن الإدارة وثانيا لإرضاء الزبون، ولكن لإحداث هذا التوازن لابد أن يكون الموظف ذاته جسورا، وإلا تشتعل النيران بين الطرفين''. وتابع زميل له، في ذات السياق، يقول: ‘'مضت علي 16 سنة في خدمة الاستقبال بالإدارة، وهي مدة زمنية كانت كفيلة أن تغير طباعي وسلوكي مع الآخر، إذ تحولت من شخص هادئ الى عصبي وكثير القلق إلى درجة أني أمضي ساعة كاملة كل مساء منعزلا ولا تجرؤ زوجتي على مخاطبتي، حتى يزول الضغط الذي يتركه الدوام الوظيفي عليّ''، ويضيف مواصلا حديثه ‘'إن بعض المواطنين - سامحهم الله - يستصغروننا كوننا أعوان شباك نؤدي عملا في إدارة عمومية، إذ كثيرا ما يخاطبني أحدهم باستعلاء كونه مديرا أو غير ذلك وأنا مجرد موظف”. وبالحديث عن الضغط النفسي المتراكم جراء الاتصال المباشر بالمواطنين، اعتبر موظف إداري إجراء بعض الدورات التكوينية لصالح موظفي الإدارات العمومية والاستقبال أمرا ضروريا، حتى يتم تأهيل الموظفين وتلقينهم أبجديات التعامل اللائق بالمواطنين، لأن هؤلاء يختلفون في الطبائع والسلوك، ولأن الموظف مطالب بتحملهم حفاظا على سمعة المؤسسة التي ينتمي إليها.