اتصل بي مسؤول كبير في الدولة، ولامني في أمر تركيزي هذه الأيام على مسألة العبث بمؤسسات الدولة ومقدرات البلاد، والعبث بالقانون والدستور.. وقال لي: إن الصورة ليست سوداء بالشكل الذي تقدمه للقراء.. ودعاني إلى ما أسماه احترام القراء واحترام مؤسسات الدولة.. فالبلاد رغم النقائص فيها برلمان بغرفتين وفيها حكومة متعددة المشارب.. وفيها رئيس منتخب.. وفيها مجلس دستوري يراقب باستمرار أداء البرلمان والحكومة في المجال القانوني.. وليست الأمور سائبة إلى الدرجة التي تتحدث عنها الصحافة.. وهي وسيلة أخرى من وسائل الدولة في الرقابة على أداء مؤسسات الدولة في إطار القانون والدستور! وأنا بدوري أقول مع هذا المسؤول السامي.. نعم البلاد فيها مؤسسات دستورية لكنها صورية ولا تعكس إرادة الشعب في بسط نفوذه على تسيير هذه المؤسسات. وأبدأ من المؤسسة الرئاسية.. فلو كان الرئيس ينتخب بمنافسة يشارك فيها الأسود وليس الأرانب لما احتاج عند انتخابه أن يقول للشعب ساعدني كي أقضي على الفساد! فالرئاسيات بالأرانب هي التي جعلت مؤسسة الرئاسة على الصورة التي اشتكى منها الرئيس! نعم البلاد فيها مجلس أعلى دستوري مهمته مراقبة تطابق التشريع والقانون مع الدستور لكن هذا المجلس قيد بتحديد صلاحياته إلى درجة أنه تحول إلى صنم لا يتحرك ولهذا أطلقت يد الأوليغرشية المالية السياسية في القوانين فعبثت بها وفق مصالحها فهل لو كان المجلس الدستوري عنده الصلاحية الكافية لمراقبة مطابقة القوانين للدستور.. هل كان يصدر قانون التقاعد الذي لا يساوي بين المواطنين ويقسمهم إلى مواطنين عاديين يتبعون لصندوق الضمان الاجتماعي ومواطنين أشراف بالسلطة يتبعون للصندوق الخاص بتقاعد الموظفين السامين؟! أين هو مبدأ المساواة بين المواطنين الذي طفح به الدستور الجزائري؟! ولو كان المجلس الدستوري والبرلمان يشتغلان بكفاءة في مراقبة ما يشرع من قوانين هل كان يحدث التمييز في أداء الخدمة الوطنية بين المواطنين الطلاب.. فالذي يدرس الطب لا يعفى من الخدمة الوطنية ويعفى غيره من الاختصاصات الأخرى.. وهل كان يتم التمييز بين الذكور والإناث في أداء الخدمة الوطنية؟! وهل كان قرار العمل في الجنوب يخص فئة دون أخرى من الشباب الجامعي؟! ثم لماذا سنت الحكومة تعليمة يعفى بموجبها من أداء الخدمة الوطنية كل طالب يسجل بالخارج؟! أليس هذا استثناء غير دستوري وضع خصيصا لإعفاء أبناء الذوات وأبناء "المرفهين" من الخدمة الوطنية؟! من هم الذين يدرسون في الخارج؟! هل لو كان البرلمان برلمانا والمجلس الدستوري مجلسا دستوريا وكانا يشبهان مؤسسات دولة باكستان مثلا.. هل كان يسن قانون يدخل المرأة إلى السياسة بالكوطة وليس بالنضال؟! هل المرأة أخذت مكانها في الصحة وفي التعليم بالكوطة أم بتشريعات تساوي بين الرجل والمرأة في الوظيفة؟! أليس هذا عملا غير دستوري حين يعطى للأحزاب الحق في مصادرة حق الشعب في تعيين من يمثله في البرلمان والحكومة ومؤسسات الدولة وتحويل ذلك إلى حالة توزع على النساء بالكوطة؟! متى كانت ممارسة السياسة بالكوطة عملا دستوريا وشرعيا وترقية للمرأة؟! هل تقديم النساء الجزائريات كعاجزات عن العمل السياسي وإكرامهن بالكوطة يعد ترقية لهن أم امتهانا لهن؟! ولو استرسلت في انتهاكات الأولغرشية السياسية والمالية لأحكام الدستور والقانون لما "كفتني" هذه الجريدة بكاملها وليس هذا الحيز فقط. ومع ذلك أشكرك على أنك أعطيتني فمك لآكل به بعض الشوك.