يبدو أن الأمور في جزائرنا الغالية، جزائرنا الحبيبة، أم المعجزات، تمشي بالمقلوب وتسير القهقرى. وعوض أن تتطور المفاهيم عندنا بشكل مضطرد، أصبحنا نرى تراجعا ملحوظا باديا للعيان.. ومن الأمور والمفاهيم التي أصابها هذا التراجع، مفهوم النضال. فمناضل هذه الأيام هو غير مناضل الأيام الخوالي، ليس له من صفات النضال غير بطاقة العضوية في هذا الحزب أو ذلك التنظيم السياسي. لا تعجب إذا قيل لك أن مناضلا في الجزائر، أرض المعجزات وأمها، لم يطلع على القانون الداخلي لحزبه ولا على قانونه الأساسي، فما بالك بمشروعه السياسي، أما الانضباط الحزبي الذي كنا نسمع عنه فقد صار من الأمور نادرة الحدوث، عديمة الوجود في أغلب أحزابنا.. لقد أصبح هم ”المناضل” الوحيد والأوحد هو كيف يصل على ”ظهر” الحزب إلى مبتغاه، وكيف يحقق مآربه الشخصية الذاتية، وليذهب الحزب الوطن إلى الجحيم. تولدت في قاموسنا النضالي والسياسي عدة عبارات كنا نسمع بها من قبل مثل: التجوال السياسي، المؤامرة العلمية، التصحيحية، التقويمية وإلى غير ذلك من الكلمات التي لا تدل على وضع صحي في أحزابنا، ولكن على هشاشة أغلبيتها وعدم قدرتها على إقناع مناضليها بضرورة الانضباط الذي يعد الركيزة التي تبنى عليها الأحزاب القوية.. عدم الانضباط أفقد عدة أحزاب مقاعد في الغرفتين البرلمانيتين السفلى والعليا لتكالب المناضلين على المناصب وللروح الفردية التي تتغلب على روح النضال عندهم... مناضلون مزعومون، بمجرد أن أقصتهم قيادة أحزابهم من الترشح (مثلا) للتشريعيات القادمة قاموا بإنشاء قوائم مستقلة أو حرة، ليس للظفر بمنصب في المجلس الشعبي الوطني، ولكن لإفساد العرس على حزبهم ومعاقبته على الجريرة التي ارتكبها بعدم ترشيحهم... لن يستقيم حالنا إلا إذا استقام فهمنا للنضال... كل استحقاق وأحزابنا بخير.