التحضير لجامعة افتراضية جزائرية.. وشبكة لربط 77 معهدا بتقنية التعليم عن بعد "أطلبوا العلم.. ولو في بيوتكم"، شعار جديد رفعه عشرات الجزائريين الذين قرروا دخول أرقى الجامعات العالمية والحصول على أعلى الشهادات، بدءا من الماجستير و الدكتوراه وصولا إلى مستويات أعلى، بمجرّد الإنتساب إلى معاهد افتراضية، ومتابعة المحاضرات إلكترونيا.. وحتى دون أن يغادروا بيوتهم، ليجدوا أنفسهم بعد سنوات قليلة أصحاب شهادات عليا وأساتذة يشغلون مناصب مرموقة تتهافت عليهم فرص العمل. كان من الصعب علينا الحديث إلى أشخاص درسوا بهذه المعاهد بالنظر إلى أن هذه الأخيرة، ورغم مراسلاتنا لها في العديد من المرات عبر الأنترنت لإيفادنا بعناوين الطلبة أوأي وسيلة للإتصال بهم، ترفض ذلك بحكم سرية بيانات الطالب.. لنجد أنفسنا مضطرين للبحث عنهم عبر شبكة "الفايسبوك"، بقليل من المساعدة من طرف مسؤولين بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تمكّنا من محاورة جزائريين اثنين، إحداهما درست بجامعة "كامبردج" البريطانية، حيث تلقّت أدبيات اللغة الإنجليزية، والثاني بجامعة "هارفارد" الأمريكية، أين تخصّص في علوم الإدارة، مع العلم أن كليهما درسا بعيدا عن بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية، إن لم نقل من بيتيهما. هكذا تخرّج جزائريون من أعرق الجامعات بامتياز تقول سارة ضويفة:"كنت متخوفة جدا عندما تحصّلت على منصب عمل مرموق بشركة بريطانية متخصصة في قطاع الطاقة بالجزائر، لاسيما أن هذه الأخيرة كانت تعتبر إتقان اللغة الإنجليزية شرطا أكثر من ضروري". ولم تتوقع سارة التي تحدّثت إلكترونيا ل"الفجر" أن تجد سبيلا لاكتساب هذه اللغة، لاسيما أن عملها يستنزف كل وقتها، إلى أن اطلعت على إعلان التسجيل في جامعة "كامبردج" الدولية لأدبيات اللغة الإنجليزية في الجرائد. "لم أنتظر حتى الصباح لأتنقل إلى مقر التسجيلات بالعاصمة، أين تحصّلت على كافة التفاصيل وباشرت فورها عملية الإكتتاب" تقول سارة، مضيفة:"كانت فرصة حياتي.. لاسيما أن الكامبردج جامعة دولية وشهاداتها معترف بها عبر كافة أنحاء المعمورة"، وواصلت حديثها: "بمجرد مرور 18شهرا أدركت أني أصبحت أتقن اللغة الإنجليزية أحسن من الإنجليز أنفسهم لأتحصّل حينها على شهادة دولية بامتياز"، مستطردة:"أهم ما في التعليم الإلكتروني أنه يمكن المتلقي من اختيار الوقت الذي يرغب فيه والمكان الذي يناسبه دون أي ضغوطات أو شروط قد تعيقه عن العمل وتمنعه من مواصلة التزاماته العائلية والمهنية بالشكل اللائق، وهو ما لا نجده في التعليم المتعارف عليه بالجامعات الجزائرية". وتختتم سارة حديثها:"نأمل في أن تكون هنالك قريبا جامعة افتراضية جزائرية". الدراسة "أونلاين" ليست مجرّد حلم مستحيل من جهته، كمال مرادي، وهو جزائري درس بجامعة هارفارد الأمريكية، أكّد أنه بعد أن طرق كافة الأبواب وقصد كل الشركات دون الحصول على عمل يرضي طموحه، قرر توسيع معارفه ومواصلة تعلمه إلا أن الحظ لم يكن بجانبه، حيث أخفق كمال في اجتياز مسابقة الماجستير، حينها تفطّن إلى مواصلة الدراسة في الجامعة الأمريكية الإفتراضية "هارفارد"، لاسيما أنه أحد عشاق التكنولوجيا والمولعين بالتعليم الإلكتروني، يقول كمال:"رغم المبلغ العالي الذي يتطلبه التسجيل في جامعات دولية إلا أن جل همي كان في تلك الفترة هو تحقيق أعلى درجات العلم وبلوغ مستوى عال يؤهلني للحصول على المنصب الذي أرغب فيه، حيث باشرت فورا إجراءات التسجيل في الجامعة الأمريكية وتابعت دراستي بها افتراضيا من فرنسا أين كنت أقيم، وبعد 3سنوات تحصلت على شهادة دولية في التسيير، ساعدتني كثيرا لأعود إلى الجزائر وأشغل منصب مدير مركزي بإحدى أهم شركات الاتصالات الوطنية..". يواصل كمال "أبسط تعريف للتعليم الافتراضي أنه موقف يتعلم فيه الطالب المعلومة عبر وسيط إلكتروني من خلال صف افتراضي في وقت وزمن محددين سواء فرديا أو جماعيا للحصول على شهادة ما أو اكتساب علم معيّن، كما أنه بإمكان الطلبة التعلم وفق برنامج خاص ينتقون فيه الوقت والمكان دون أيّ ضغوطات"، ويضيف: "الجامعة الافتراضية ليست بالشيء الصعب، وكل من يريد الوصول إليها سيتمكن من ذلك". التحضير لتأسيس جامعة افتراضية جزائرية من جهته، اعتبر مدير مشروع "الجزائر إلكترونية" بوزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال، شريف بن محرز، في تصريح ل"الفجر"، أن فكرة التعليم الافتراضي ظهرت خلال سنوات التسعينيات من القرن الماضي، حينما تسابقت المعاهد الدولية الكبرى إلى تحويل الجامعة لمكان افتراضي يعتمد على شبكات متطورة وتقنيات حديثة، موضحا أن هذه الأخيرة "تجعل من الأستاذ المحاضر والمدرّجات شخصيات إلكترونية بمجرد التواصل مع برنامج محدّد عبر الأنترنت". وحسب محدثنا بدأ التسجيل حينها في هذه الجامعات بالطوابير لمتابعة الدروس إلكترونيا في إطار ما يصطلح على تسميته بال" إي- ليرنينغ"، أو التعليم الإلكتروني، في حين أنه انطلاقا من سنة 2000 بدأت فكرة الجامعة الافتراضية تراود الجزائريين، لاسيما المغتربين والعائدين من الخارج، لتلقى هذه الأخيرة - حسب بن محرز - رواجا منقطع النظير خلال الثلاث سنوات الماضية بعد الدعاية الكبيرة التي باشرتها معاهد عالمية أمريكية وبريطانية بالدرجة الأولى، تحفّز من خلالها الطلاب عبر كافة دول العالم على الانتساب باشتراكات مالية معقولة والحصول على شهادات راقية، على غرار الماجستير والدكتوراه، وهي الشهادات المعترف بها عبر كافة أنحاء المعمورة. من جهتها، شرعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في التحضير لإطلاق جامعة افتراضية جزائرية سنة 2010، حيث أعلنت وقتها عن برنامج طموح لتكريس ثقافة التعليم عن بعد من خلال منصة للمحاضرات المرئية والتعليم الالكتروني، موزعة على غالبية مؤسسات التكوين. كما أن الراغب في الدخول إلى هذه المنصة يتسنى له ذلك عن طريق الشبكة الوطنية للبحث، مع العلم أن هذا المشروع يضم 77 مؤسسة تعليمية، في حين يعتبر مركز البحث العلمي والتقني ببن عكنون في العاصمة، النقطة المركزية للمشروع، إذ تضم المحاضرات المرئية 13 موقعا مرسلا و64 موقعا مستقبلا. وفي انتظار تأسيس جامعة افتراضية جزائرية، يبقى التعليم الإلكتروني ميدانا جديدا يستقطب 10ملايين طالب ويجني 100 مليار دولار سنويا، حسبما أفادت به دراسة أمريكية حديثة.