تطرق المايسترو وقائد الأوركسترا السيمفونية الأوكرانية، فلودمير شايكو، في هذا الحوار الذي جمعه مع”الفجر”، على هامش الحفلين الفنيين اللذين أحياهما بالعاصمة ومدينة مستغانم نهاية الأسبوع الفارط، رفقة الأوركسترا السيمفونية الوطنية وفي إطار سلسلة جولاتها الفنية المتميز التي جابت بها جل المدن الجزائرية من شرقها لغربها ومن جنوبها إلى شمالها، بهدف التعريف بهذا النوع من الفنون الموسيقية العالمية، إلى واقع هذا النوع من الموسيقى في العالم، دون أن ينسى التطرق إلى المكانة التي أصبحت تحتلها الأوركسترا السيمفونية الوطنية في هذه المحافل العالمية، داعيا في الوقت ذاته إلى ضرورة دعم هذا الجوق الذي بدأ يحتل مكانة مهمة في عدة دول رائعة في مجال الموسيقى العالمية، على غرار أوكرانيا، إيطاليا، إسبانياوفرنسا.. إذا أردت أن تقدم نفسك للجمهور الجزائري الذي تعرف عليك من خلال سلسلة من الحفلات التي أقمتها هنا بالجزائر، فماذا ستقول؟ موسيقي انطلقت بدايتي الفنية بعد تخرجي من كونسرفتوار الدولة لمدينة كييف الأوكرانية، كما تابعت تكويني بمسرح بولشوي الشهير بموسكو، وعينتُ كقائد أوركسترا بالمسرح الأكاديمي بكييف منذ 1988 إلى غاية أواخر عام 1990، بعدها مباشرة قمت بإنشاء أول أوركسترا سيمفونية غير حكومية، حيث قدمت معها العديد من الجولات والحفلات الفنية في مختلف الدول.شغلت منصب قائد أوركسترا أساسي بمسرح كييف من 1995 وحتى عام 2005، صدرت لي عدة أقراص مضغوطة تضم مقاطع موسيقية عدّة قدمتها في حياتي الفنية. هل ينصب اهتمامك بالتراث الموسيقي الخاص بأوكرانيا أم تعدى ذلك إلى الاطلاع على مقطوعات موسيقية أخرى غير أوكرانية؟ طبعا لا، فاحتكاكي بموسيقيين واطلاعي على الموسيقى الكلاسيكية العالمية مكنني أن لا أحصر ما أقدمه كتراث موسيقي أوكراني أو عالمي بل تعدى ذلك بكثير، وحيثما حللت أحاول أن أقدم مقطوعات عالمية ومحلية، وهكذا أفيد وأستفيد من تراث الجميع. في زياراتك المتعددة للجزائر قدمت أعمالاً مستوحاة من التراث الجزائري، حدثنا أكثر عن هذه التجارب؟ أكيد فالحفلات التي قدمتها في الجزائر مع الأوركسترا السيمفونية الوطنية التي يشرف عليها المايسترو عبد القادر بوعزارة، كانت دائما تحمل مقاطع موسيقية تراثية، على غرار مقطوعة “الحضارة”، التي قدمت في حفل اليوم (الحوار أجري بعد الحفل الذي أقيم نهاية الأسبوع بقصر الثقافة بالعاصمة)، بالإضافة إلى مقاطع عالمية مشهورة لمحبي الموسيقى العالمية، وهذه التجربة سمحت لنا نحن كعازفين أوكرانيين أن نطلع على نتاجكم وتأليفكم الموسيقي الخاص بالموسيقى السيمفونية، وسنحاول أن نسافر بها إلى بلدنا وعدد من المحطات الموسيقية التي تقودنا إلى عدد من الدول الأوروبية الأخرى تماما، كما حاولنا في ذات الحفل أن ننقل لكم مقاطع من المؤلفات الموسيقية العالمية، على غرار السيمفونية رقم 9 لفورجاك، ومقطوعة كونسرتو رقم 3 لموزار ومقطوعة فالس لتشاكوفسكي، بالإضافة إلى مقطوعة البيتلس لكاكفاس، وهذه التجارب المتنوعة هي التي تخلق الحراك الثقافي والفني بين مختلف الفرق الموسيقية العالمية فما بالكم بجوق موسيقي كامل. كيف ترى تجربة الجزائر في الموسيقى السيمفونية وتجربة الأوركسترا الوطنية خصوصاً؟ بكل صراحة وبدون مجاملة، لقد خطت الأوركسترا الجزائرية خطوات رائدة في مجال الموسيقى العالمية، وهذا بفضل الطاقم الذي يشرف على هذا الهيئة، فأغلب من فيه من موسيقيين وعازفين هم من خيرت الموسيقيين العرب فأغلبهم من خريجي المعاهد والكونسرفتوار العالمي ودرسوا على يد أشهر العازفين العالميين، والمشرف عليهم الأستاذ عبد القادر بوعزارة قدم مجهودات كبيرة لهذا الجوق الفتي الذي استطاع أن يحجز له مكانة في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال. وشخصيا أعتقد أنّ التجربة الجزائرية وعلى الرغم من قلة الإمكانات التي تتوفر عليها، إلا أنها استطاعت أن تدون الموسيقى الجزائرية في ريبيرتوار العالمي. هل ترى اختلافا في الممارسة والمحتوى لهذا النوع الموسيقي بين مختلف دول العالم العريقة فيه، بما فيها الجزائرية؟ صحيح يوجد اختلاف في الموسيقى السيمفونية بين معظم دول العالم، سواء تعلق الأمر بالجزائر أو أوكرانيا أو فرنسا أو إسبانيا، لاسيما في مجال الريتم والميلودي الذي يختلف من بلد لآخر حسب تقاليد وعادات كل منطقة وكل دولة وكذا تراثه وتاريخه، فمعظم البلدان تسعى إلى توظيف تراثها الموسيقي الذي تشكل فيه الآلات الصورة العامة لثقافة هذا البلد، وبالتالي فالموسيقى بشكل عام بغض النظر عن السيمفونية التي ننشط فيها، تعد واحدة من فنون التعبير الجميلة التي تعكس الصورة الحقيقية للشعب، حيث تصور أماله وأحلامه وترجم أوضاعه الاجتماعية، الاقتصادية والشخصية وغيرها في نبرات تكون أحيانا صوتية وأحيانا موسيقية بالعزف فقط. وأهم شيء يجمع بين كل أنواع الموسيقى في العالم الأوروبية أو الإفريقية أوالأمريكية، أنها في كل مرة تجسد حالات إنسانية معينة عن الحزن والفرح والسعادة والألم بأشكال مختلفة. احتكاكك بأعضاء الأوركسترا الوطنية ولّد لديك نظرة عن مستوى العازفين الجزائريين، الذين درست مع بعضهم بمدينتك بكييف لعدة سنوات، ما هي الصورة التي يمكن أن تقدمها لنا من خلال هذه التجربة؟ قبل الحديث عن العازفين، أود الإشارة فقط إلى ثراء وغنى الثقافة والتراث الجزائري الذي أعطى لهم الفرصة للتميز والاختلاف عن غيرهم من عازفي وملحني البلدان الأخرى، فقدرتهم على الغناء و الأداء فوق الخشبة نابعة من هذه الثقافة العريقة التي تزخر بها الجزائر، فأدى تنوع الآلات الموسيقية مثل التي الدربوكة والطبل التي يحدث الضرب عليها نغما جميلا إلى إضفاء خصوصية عليهم مكنتهم من احتلال مكانة هامة بين عازفي العالم، بالإضافة إلى إمكاناتهم الفنية والفكرية وكذا امتلاكهم لشخصية مميزة تختلف من شخص لآخر. كما انعكست دراستهم لقواعد هذا الفن بالخارج بالضبط في بأوروبا الشرقية على حضورهم القوي في الأركسترا العالمية. كيف ترى الأركسترا الوطنية السيمفونية الجزائرية وكيف تقيم أداءها؟ لا حاجة لطرح سؤال في هذا الموضوع، فأركسترا أي دولة لها مقام في العالمية وبدون مجاملة مجال الاركسترا السيمفونية الجزائرية حاليا على نموذج عالمي كباقي الدول الممارسة لهذا المجال الفني العريق، ففي هذا الباب هناك مجموعة من القواعد بودي التنويه إليها، تتعلق بالأجواق الموسيقية وطريقة الجلوس وشكل الحركات، وغيرها من العناصر التي تعتمد في تركيبة الاركسترا في هيئتها العامة. وفي نفس الوقت يسجل الجوق الجزائري بصمته لما يتمتع به من خصوصية نتيجة العوامل السابقة التي ذكرتها، إلى جانب الشخصية القوية والأسلوب الخاص المميز لعازفيه الذي ليس على نفس المنوال للعازفين الآخرين العرب أو الأوروبيين أو الأفارقة. في رأيك من يكون وراء هذا النجاح؟ الأركسترا الجزائرية بمثابة جسر بين الجزائر وبلدان أخرى، وهذا الجسر هو القاعدة والأساس الذي يقوي بناء علاقات وثيقة بين باقي البلدان في تخصص الموسيقى والفن، ومهندس هذا الجسر المايسترو عبد القادر بوعزارة رفقة جهود الكثيرين والفاعلين في الحقل الثقافي لهذا النوع الموسيقي. وحسب الحكمة التي تقول “حتى تشتعل النجوم فهي تحتاج لمن يشعلها”، والشخص الذي أشعلها هو عبد القادر بوعزارة، هذا الإنسان الذي سيخلف إرثا فنيا للجزائريين في المستقبل رغم وجود أطراف تفهمه وأخرى لا تتفق معه لكن التاريخ هو وحده من يحكم على ذلك. ما هي الرسالة التي تقدمها لأعضاء الأوركسترا السيمفونية الوطنية، خاصة الشبان منهم؟ رسالتي لا تكون للشباب بقدر ما تكون للناشطين فيه، وفي هذا الصدد أتوجه بنداء ورسالة خاصة لكل الملحنين والعازفين المحترفين من جميع أنحاء العالم، على أن يزاولوا ويعملوا بإتقان واحترافية من أجل تدوين الموسيقى السيمفونية الكلاسيكية في ريبيرتوار التاريخ، لأنها فن قائم على التراث والثقافة المتجذرة في عادات وتقاليد كل بلد.