عاد الحديث مجددا عن جائزة مالك حداد للرواية بمناسبة الاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال، حيث يجري الحديث عن تنظيم أول طبعة لها بمدينة قسنطينة، موطن الكاتب، استنادا إلى تصريح مدير الثقافة بالولاية جمال فوغالي الذي أكد ترسيم الجائزة ”وفق قرار وزاري سيكون حاضرا في الملتقى القادم، بعد أن ترك تاريخ الملتقى للسنة الجارية مفتوحا إلى آخر يوم فيها بسبب احتفالات ذكرى الاستقلال”.. رغم تأكيدات فوغالي، إلا أن مصادر مقربة من محيط الوزارة أفادت أن تومي لم تفصل بعد بشكل نهائي ورسمي في الموضوع، طالما أنه حتى الآن لم يتم الفصل في الجوانب القانونية للجائزة وشكلها، خاصة فيما تعلق بعائلة الكاتب وهي الملك الوحيدة للحقوق المادية والمعنوية للجائزة التي سبق أن أطلقتها الكاتبة الشهيرة أحلام مستغانمي، بحثا عن جائزة ”في قامة الجزائر ورفعا للغبن عن كتاب اللغة العربية” كما سبق لصاحبة الثلاثية أن صرحت بذلك في أكثر من منبر. ومع تداول خبر تبني الجائزة من طرف وزارة الثقافة، اعتبر البعض أن هذا يعد استيلاء على استقلالية العمل الثقافي وتأميمه من طرف الوزارة الوصية، مع العلم أن جائزة مالك حداد لم تكن يوما مستقلة ماديا لأنها كانت دائما ممولة من طرف الدولة الجزائرية ”التلفزيون وديوان حقوق التأليف”. وقد ساهم اسم أحلام مستغانمي ومالك حداد في بروز الجائزة في وقت وجيز إذ كان يتوقع لها أن تكون كبيرة ومحترمة، ولكن رياح الصراعات عصفت بها وعجلت بتحويلها من مشروع جائزة محترمة إلى يتيم يبحث عن من يتبناه. سلمت الطبعة الأولى للجائزة بقصر الثقافة في جوان 2001 بحضور مستغانمي وسهيل إدريس وكوكبة من الكتاب، وكانت يومها المنافسة قد اشتدت بين نص إبراهيمي سعدي وياسمينة صالح، قبل أن تتدخل أحلام مستغانمي لمنحها مناصفة كما كشفت الكاتبة عن ذلك لاحقا، مؤكدة أن الجائزة أنقذت ياسمينة صالح من وضع حرج وأخرجتها إلى العلن وأنها المرة الوحيدة التي تدخلت في شؤون الجائزة وليست نادمة على ذلك. ويؤكد هذا الشاعر أبوبكر زمال، أحد أعضاء رابطة كتاب الاختلاف سابقا، ويقول أنها كانت الطريقة الوحيدة لإنصاف مبدعة شابة ظلمتها الظروف. ويؤكد زمال في حديثه عن تاريخ الجائزة أن أحلام اتصلت باتحاد الكتاب الذي كان وقتها يرأسه الشاعر عز الدين ميهوبي قصد تبني الجائزة، لكن ”شباب الاختلاف” يومها الذين كانوا يطمحون إلى التأسيس لمشروع ثقافي حداثي أقنعوها أو بالأحرى يقول أبوبكر، أنه من أقنع أحلام مستغانمي بمنح شرف تنظيم الجائزة التي كانت تحظى بدعم التلفزيون وديوان حقوق التأليف للاختلاف. وهنا يؤكد المتحدث أن الرابطة كانت تجمع الأعمال وترسلها إلى بيروت حتى يكون لها حضور عربي هناك. ومع توالي الطبعات لاحقا بدأت التشنجات داخل هيكل التنظيم قبل أن تفجر أحلام قنبلتها في آخر طبعة بالمكتبة الوطنية عندما هددت بنقل الجائزة إلى خارج الجزائر إذا لم يتم الرفع من القيمة المادية لها. ولكن أحلام التي تراجعت لاحقا عن تصريحاتها واعتبرتها ناتجة عن ”الغضب الجزائري”، اتهمت لاحقا بأنها تخلت عن الجائزة ونفضت يديها منها، بعدما تأكد ذهاب حمراوي من التلفزيون وتوصار من ديوان حقوق التأليف، بمعنى أنها كانت ستواجه صعوبات كثيرة في التمويل، زيادة على ما تسرب يومها من بيت الاختلاف التي ”اختلفت” مع صاحبة الذاكرة حول الجهة التي ستتكفل بطبع الأعمال الفائزة في بيروت، حيث سبق لأحلام أن تعاقدت مع ناشرها دار الآداب، بينما طبعت أعمال الطبعة الأخيرة لدى الدار العربية للعلوم التي يربطها عقد شراكة مع الاختلاف في إطار مشاريع النشر المشترك. ربما هذا ما دفع أحلام لاحقا لتبرر تطليقها للجائزة بقولها: ”لم أكن أستشر في شيء لا في اختيار الأعمال ولا في لجنة القراءة ولا حتى في تفاصيل الحفل، لم أكن أعلم شيئا عن الجائزة، لقد بزنس البعض بما يكفي باسمي”. ولم تكن ”منشورات الاختلاف” بمعزل عن الانتقادات داخليا أيضا، حيث اتهمت من طرف بعض الكتاب الشباب بتبني الوصاية على الرواية الجزائرية، مستغلة موقعها كمشرف ومنسق لجمع الأعمال المرشحة وحتى التماطل في دفع حقوق الفائزين بالجائزة، زيادة على تعمدها إقصاء بعض الأعمال والأسماء، وهي التهم التي نفاها جملة وتفصيلا الأمين العام للرابطة، بشير مفتي، الذي أكد ل”الفجر” أن الرابطة كان دورها ترتيب الأعمال وفرزها بعد استقبالها واستبعاد الأعمال الشعرية والقصصية التي كانت تصل الاختلاف، رغم أن الجائزة خاصة بالرواية. خارج هذا، يقول مفتي ”أقسم بالله أننا كنا نلتزم بدورنا في التنسيق وإرسال كل الأعمال مهما كانت وكيفما كانت، وقد قمنا بالتشاور مع أحلام بتنصيب لجنة عربية زيادة في تحري المصداقية للجائزة”. وتعليقا على قرار الوزارة بتبني الجائزة، يقول مفتي: ”لم تعد تهمنا في شيء، فليتبنها من يشاء لأنها ملك لأحلام مستغانمي، وهي التي أسستها، وعندما قررت التخلي عنها بحجة أن القيمة المالية لم تكن كبيرة، رأينا نحن أن المبلغ لم يكن مهما بقدر أهمية استقلالية الجائزة ومصداقيتها، لكنها أرادت أن توقفها فتوقفت، لأن قانونيا الجائزة تنسب إليها”. وعلى عكس ما ذهب إليه مفتي بشير، لا يوجد أي دليل يثبت أن الجائزة قانونا ملك أحلام، لأنها أسستها بدون الرجوع إلى عائلة الكاتب، حيث يؤكد زمال أن ابن الكاتب رفض الحضور في حفل توزيع أول طبعة، بل رفض حتى أن يمنحنا صورة والده قائلا: ”لا علاقة لي بالأمر ولا يهمني”. ويضيف زمال أنه الخطأ ”الذي وقعنا فيه وكنا يومها شبابا لا نعرف تفاصيل هذه المبادرات”، مؤكدا أنه اقترح لاحقا على أحلام تحويل الجائزة إلى مؤسسة يشرف عليها الكاتب عمار يزلي، مع تغيير لجنة التحكيم سنويا وجعلها سرية، واعتماد خليط من الأسماء الجزائرية والعربية، زيادة في تحري المصداقية، غير أن أحلام التي لا تعرف ربما بحكم تغربها عن الوطن جيدا تفاصيل الساحة الثقافية الجزائرية، صرحت أنها تنازلت عن حق تنظيم الجائزة للهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث ”فورام” التي يرأسها مصطفى خياط، على هامش إشرافها على إطلاق حملة الكتاب إلى الجنوب. ولكن المشروع سرعان ما تبخر وبقي مجرد مادة إعلامية تتقاذفها التصريحات والتصريحات المضادة بين الوزارة ومختلف الأطراف. وكما فقد الأدب الجزائري صوتا كان سيضيف الكثير إبداعيا للجزائر عندما قررت ”مالك حداد” أن يصمت احتراما للغة العربية التي لا يتقن الكتابة بها، يبقى الخاسر الوحيد في توقف الجائزة هي أجيال من كتاب وكاتبات اللغة العربية الذين قالت أحلام أنه يتعين عليهم بعد الآن ”الدفاع عن جائزتهم”.