على بعد 5 كلم إلى الجنوب من أحمد راشدي، ريشليو سابقا، وعلى بعد 15 كلم من عاصمة ولاية ميلة، يوجد موقع تامدة عند سفح كاف سحيق يتميز بشلال مياهه العذبة المتدفقة من أعماق صلبة. وإلى هذه المشتة التي توجد بها 10 مساكن ريفية منزوية وسط محيط أخضر تفرضه المياه المتدفقة من أعلى الكاف والمتساقطة في بركة مائية بمساحة تقل عن 3 أمتار مربع، يهرب الكثير من الشبان والأطفال وحتى الكهول خلال هذا الشهر الفضيل المتسم بحرارة استثنائية. إلى هنا يأتي الكثير من الناس خاصة في شهر رمضان، حسب حميد 30 سنة، يأتون حبا في الاستجمام والترفيه والاستحمام بمياه منعشة تصل درجة برودتها إلى4 و 5 درجات، وكذلك من أجل اقتناء مياه عذبة تزين مائدة الإفطار في هذا الشهر المبارك. ومع توالي ساعات اليوم الرمضاني الطويل والمتعب، يتزايد الإقبال على هذا المنبع الذي مايزال يزود عددا من مشاتي أحمد راشدي بمياه الشرب، لتصبح الحركة بعد الثالثة زوالا أكثر كثافة حول العين وداخل البركة المائية التي ترتبط بها. إلى الأسفل أيضا برك أخرى يستحم فيها الناس وسط أشجار كثيفة تمنح المكان هالة من الجمال وكثيرا من مظاهر المرح و الفرح، ولا يتواني المستحمون هنا عن تبريد أجسامهم بمياه صافية رقراقة قادمة من أعلى كاف تامدة، فيما يواظب أطفال وبعض الشبان على الغوص في الماء واللعب وحتى القفز من أعلى الصخر على مسافات قريبة مع كل ما يعني ذلك من مخاطر محدقة، بحكم ضيق المكان ووجود بعض النتوءات الحجرية. وذكر بعض المقبلين أن الأسبوع الأخير شهد إقبالا قياسيا للكثيرين من المناطق المحيطة وحتى من عين ملوك وشلغوم العيد وميلة وغيرها، بفعل حرارة شديدة اجتاحت الجهة، عرف بعض الحوادث التي سببت لأحد المصطافين كسرا ولآخر جرحا في الرأس. ويطالب حميد، رفقة صديقه زهير، السلطات المحلية بتوسيع وتهيئة بركة السباحة وتهيئة موقع تامدة المعروف أيضا بمشتة رأس الواد، بما يسمح باستقبال مرتاديه في ظروف أحسن. وحسب الكهل عبد القادر، وهو من سكان المشتة، فإن الموقع يحظى أيضا بإقبال واسع حتى بعد الإفطار يمتد إلى وقت الإمساك، وقد يسجل فيه - حسبه - حضور بعض العائلات التي تنزوي ساهرة في مكان منعش لبعض الوقت قبل المغادرة بمعنويات جديدة بعد تناول الشواء اللذيذ. ويتداول عمار ووالده، وهما من سكان تامدة أيضا، على بيع الشواء والمشروبات بعد الإفطار، مستفيدين من إقبال أخذ في التزايد تزامنا مع فصل الحرارة الجاري. وحسبما يقوله عمار، فإن نقص الإنارة وغياب حظيرة للسيارات ينغص راحة المقبلين الباحثين عن مكان هادئ بعيدا عن الضوضاء، وقد شهد المكان مؤخرا الشروع في تهيئة الطريق المؤدية للمشتة، وهو ما يعد عاملا محفزا على تزايد الإقبال على هذا الموقع. وإذا كان شلال تامدة بسيطا في الصيف بحكم تراجع منسوب المياه المتدفقة من صلب الكاف، فإنه في فصل الشتاء يصبح عبارة عن شلالات قوية غزيرة المياه وبهية المنظر. ويصلح المكان، كما يرى الدراجي، وهو مصور محب للطبيعة، لأن يستفيد فعليا من عملية تثمين قد تجعله قبلة للسياح ليس فقط في الصيف وإنما في كامل أيام السنة. وتحتفظ المنطقة لنفسها بالكثير من الأسرار التاريخية الثمينة، لكن العديد من سكان أحمد راشدي ومجاهديها يذكرون أن كاف تامدة وكثير من المغارات الكثيرة الموجودة بالموقع طالما شكلت ملجأ ومركزا للمجاهدين إبان الثورة التحريرية، كما يتذكرون بخشوع وإجلال استشهاد 27 شهيدا بالجهة. لكن تاريخ كاف وشلالات تامدة لا يقتصر على الزمن الحديث القريب فقط، بل هو متوغل في القدم، حسبما يقوله الباحث عمار نوارة، محافظ آثار ميلة. ويؤكد هذا الأخير أن عين تامدة ومعناها البركة المائية، أوالڤلتة بالدارجة المحلية، هي موقع أثري مهم يحتوي الكثير من المجموعات الأثرية الأخرى، وأهمها مدينة رومانية تقع في السفح الشمالي لجبل بلعيد بالقرب من شلالات تامدة. وعرف اسم هذه المدينة من خلال إهداء خاص كتب على شرف انتصار الإمبراطور ألكسندر سيفير ضد الفرس، وهو يشير- حسب الباحث - إلى رأس بوبليكا كاستيلوم زوقال مؤرخ بسنة 233 ميلادي. ويتربع الموقع على مساحة 12،60 هكتارا، كما يضم الكثير من المعالم غير الواضحة أهمها مذبح منحوت في الصخر تتقدمه بناية مربعة الشكل، وهو على الأرجح معبد قديم للإله الخرافي سيلفانوس، إله الغابات والحقول والقطعان وحارس الوطن عند الرومان. وفي انتظار أن تستعيد تامدة استقطابها للناس بعد الإفطار إلى غاية الإمساك، تقف نخلة عالية لا تذكر لها سنة، غرست على مقربة من الموقع، وكأنما هي منتصبة كشاهد محايد على حميمية موقع وجمالية لقاء بين الناس والطبيعة الخلابة في شهر يحمل الكثير من المعاني والعبر الجميلة.