السؤال الذي كان يطرحه الكتاب الأتراك طوال الفترة الماضية، وتحديدا قبيل الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تركيا مطلع الشهر الحالي، كان على الدوام: هل ستفجر الأزمة السورية العلاقات التركية-الروسية؟ من يتابع الصحافة التركية هذه الأيام، سيرى أن هذا السؤال تغير، وحل محله السؤال التالي: هل ستنجح أنقرة في إقناع موسكو بتغير موقفها من الأزمة السورية؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما الذي حصل حتى تغير السؤال التركي بهذا الشكل الانقلابي في الطرح؟ وما هي الرهانات التركية على دفع موسكو إلى اتخاذ مثل هذا الموقف؟ قبل الحديث عن الخطة التركية التي نشرتها صحيفة راديكال التركية (يوم الأثنين 17 الشهر الجاري) وقالت إنها قدمت إلى الجانب الروسي، ينبغي العودة إلى ما قاله أردوغان عشية زيارة بوتين إلى أنقرة، وذلك عندما قال (في هذا الوقت تحمل روسيا مفاتيح الحل في سوريا) كلام يحمل الكثير من الدلالات الخفية لما نشرتها صحيفة راديكال، وقالت إنها خطة تركية تقضي بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد عن السلطة في الأشهر الثلاثة من العام المقبل ويتسلم السلطة لمرحلة انتقالية الائتلاف الوطني. ومع أن الجانب التركي لم يعلن رسميا تبنيه الخطة المذكورة التي قالت عنها موسكو إنها خطة مبتكرة حسب الصحيفة التركية إلا أن هذه الخطة تبدو الشيء الوحيد الذي يفسر ما قاله اردوغان بخصوص إن روسيا تحمل مفاتيح الحل. الأمر بالنسبة لتركيا تبدو أشبه بصفقة ومراهنة معا، صفقة لها علاقة بجوانب العلاقات الروسية - التركية من جهة، ومن جهة ثانية لها علاقة بالتطورات الميدانية على الأرض في سوريا والتي تبدو تسبق كل شيء، وبالتالي ما يترتب على ذلك من تداعيات وحسابات في مواقف الدول. على صعيد العلاقات بين موسكووأنقرة تبدو العلاقات الاقتصادية جذابة ومكونة للمزيد من التقارب في المواقف في المرحلة المقبلة، فحجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 35 مليار دولار ومن المتوقع أن يصل إلى مئة مليار دولار في الأعوام الخمسة المقبلة، وتتعدد مواضيع التعاون بينهما، كمشاريع الطاقة من نفط وغاز وإقامة مفاعلات نووية فضلا عن التجارة والسياحة، حيث تؤمن تركيا من روسيا ما يقارب ستين بالمئة من حاجاتها في مجالي النفط والغاز. هذا المجال الحيوي للعلاقات خلق مساحة كبيرة للتجاذب الروسي - التركي رغم الخلافات السياسية بشأن سوريا والقوقاز، وتبدو طبيعة هذه العلاقات الحيوية هي عكس العلاقات الروسية -الإيرانية التي تبدو جيدة سياسيا بحكم الموقف من السياسة الأمريكية ومتناقضة لجهة مضمون الخطاب السياسي وآفاق العلاقات الاقتصادية إذا ما علمنا أن العلاقات الروسية - الإيرانية تقتصر تقريبا على الجانبين العسكري والنووي وحجم العلاقات بينهما أقل من أربعة مليارات دولار. والخلاصة التي ينبغي استخلاصها هنا، هو أن هناك معادلة في العلاقة الروسية - التركية، تتلخص بأن روسيا لا تستطيع التخلي عن تركيا والأخيرة لا تستطيع التخلي عن روسيا، وفي ظل هذه المعادلة، ثمة قناعة تركية دفينة بأن العلاقات الاقتصادية القوية مع روسيا كفيلة بالتأثير على موقفها من الأزمة السورية في المرحلة المقبلة، ولعل الرهان التركي هنا، هو أن المتغيرات على الأرض في سوريا ستدفع بروسيا إلى مراجعة موقفها والبحث عن مخرج يضمن لها أقل المصالح الممكنة، وهنا تبدو تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف رغم النفي الرسمي الروسي لها، ليس سوى مجرد بالون اختبار، خاصة وأن المحادثات الروسية - الأمريكية بشأن الأزمة السورية وإمكانية التوصل إلى حل عبر مرحلة انتقالية لم تتوقف. تركيا تتحرك تجاه روسيا بخصوص الأزمة السورية من رهانها على أن المتغيرات الداخلية في سوريا ليست لصالح النظام، وأن المنطق يقتضي أن تبحث روسيا عن مصالحها من خلال استشراف المستقبل، وأن الدور التركي هنا، هو دفع روسيا إلى أتخاذ موقف سياسي مغاير لما سبق، أي الكف عن دعم النظام السوري عسكريا وأمنيا والتخلي عن سلاح الفيتو في مجلس الأمن، لكن ما ينساه الأتراك هنا، هو أن الموقف الروسي من الأزمة السورية لا يتعلق بمصير النظام ورحيله، بقدر ما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية الروسية والمخاوف الدفينة من التداعيات، فمن يضمن لروسيا مصالحها الاستراتيجية (بقاء قاعدة طرطوس على سبيل في سوريا) إذا رحل النظام أو انهار؟ وكيف ستواجه روسيا احتمالات تطور البعد الإسلامي في محيطها الجغرافي وتداعياته على الداخل الروسي إذا ما صعد الإسلاميون إلى الحكم في سوريا وشكلوا مع أخوان مصر وتركيا قوة إقليمية كبرى؟ أسئلة روسية لا تبدو تركيا قادرة أو حتى في موقع تقديم إجابات مقنعة عنها لها للجانب الروسي، فالجواب على هذه الأسئلة يكاد يكون موجود في أمريكا وليس تركيا، دون أن يعني ما سبق التقليل من دور الرهانات التركية في التأثير على الموقف الروسي.