على خلفية الجدل الكبير الذي أثاره المسلسل التركي ”حريم السلطان”، والذي وصل حد إقرار توقيف إنتاج جزئه الثالث من طرف البرلمان التركي، مؤخرا، انضممت إلى طوفان المشاهدين لهذه السلسلة حتى أمنطق قرار الهيئة التشريعية في بلاد الأنظول أو أستهجنه. وما لفت انتباهي في حبكة الحلقات التي شاهدتها هو تلك الدقة المثيرة في الاقتراب من أجواء مطبخ الحريم وتأثيره على سيرورة الحياة السياسية لأكبر امبراطورية في القرن السادس عشر. وكذلك اقتراب الكاميرا، كما لم تقترب من قبل، من أسرّة وأرائك ومجالس الحكم التي كانت المرأة أهم محرك لها. وهو الأمر الذي أعتقد أنه كان سببا لتحرك فرمان البرلمان التركي، بتوقيف المسلسل ”حفاظا على هيبة الإبراطورية العثمانية”، وحتى لا يقال إن السلطان العظيم سليمان القانوني، كان ضعيفا في دائرة حريمه، إلى درجة أن جارية أكرانية سيطرت على قلبه وعقله وحركت القصر على هواها. لا شكّ أن الجارية الأكرانية ”روكسلانا” زوجة السلطان سليمان القانوني؛ لم تكن المرأة الوحيدة التي أثّرت بشكل مباشر على قرارات الحكم في الإمارات والمملكات والامبراطوريات الإسلامية المتعاقبة منذ فجر الإسلام، حيث يمكن اعتبار هند بنت عتبة - في نظري - أول وأكثر الشخصيات النسائية التي أثرت في التاريخ الإسلامي ولعبت دورا حاسما في تطوره سواء سلبا أو إيجابا. كما استطاعت الصحابية خولة بنت الأزور، أمثل نموذج لتأثير المرأة ”الميداني” على المشهد السياسي في بدايات الحكم الإسلامي، لتوقّع بعدها السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، أهم ورقة نسوية في تاريخ التأثير السياسي على مسار الحكم في التاريخ الإسلامي، ولست هنا في صدد سردٍ طفح ذكره. في الخلافة العباسية، كان دور المرأة السياسي أكثر تعقيدا؛ حيث لعبت النساء دورا محوريا في إضعاف هذه الخلافة قرب نهايتها. كانت شخصياتهن القوية بل المسيطرة في أحيان كثيرة، حاسمة في قضية ولاية العهد والتآمر السياسي. وهنا يحضرني مثال أم سلمة زوجة الخليفة العباسي الأول أبو العباس الملقب بالسفاح، التي كانت مسيطرة عليه رغم أنه كان من أعتى الرجال وأقواهم شخصية. كما كان للجواري أثرهن بشكل لا يمكن وصفه في الطبقات العباسية الحاكمة، فقد اتسع نفوذهن وقوي سلطانهن؛ لاسيما اللواتي حظين بقران أبناء الخلفاء. ومن النساء العباسيات اللاتي كان لهن دور في العصر العباسي زينب بنت سلمان، وفي عصر هارون الرشيد، مارست زوجته زبيدة السياسة وكانت الملكة الثانية في بلاط العباسيين. في الجزائر الحديثة، ظل الحديث عن فاعلية الحريم السياسي في دوائر الحكم من المحرمات، وقد لا تسجّل الذاكرة الجماعية لجزائريي الاستقلال؛ أكثر من اسمين أو ثلاث، مع تصدّر اسم السيدة حليمة بوركبة زوجة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، التي سجّلت كاميرات الإعلام تواجدها الدائم في حديث السياسة مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، على عكس السيدة أنيسة (أنياس) المنصالي زوجة الرئيس الراحل هواري بومدين التي لم تجرؤ على دخول مطبخ السياسية في زمن الرئيس. وبغض النظر عن حريم المطاعم الراقية والسهرات ونزيلات الخمس نجوم، غير المعروفات عند العامة ولا ذكر لهن في الإعلام والمجالس العامة، ظلت المرأة الجزائرية مفعولا بها سياسيا أكثر منها فاعلة، حتى أن ”حريم البرلمان” الحالي، لا يشكلن في المشهد السياسي الجزائري سوى جوهرة في عمامة الحاكم، اسمها ”كوطة” لا تحرك شعرة في موستاش الحكم، ولا تستدعي من رقابة البلد منع بث مسلسلها.