أفرج رئيس الجمهورية إذن، عن أسماء المحظوظين بدخول الغرفة العليا، وظهر جليا أن ساكنيها الجدد يدركون جيدا أنهم تحصلوا على مكافأة نهاية الخدمة، وأن التزاماتهم السياسية والأخلاقية، تجاه الشعب والدولة ليست في أجندتهم أصلا، باعتبار أنهم يعرفون مسبقا، أن صوتهم لن يغير شيئا في مسار قرار تريد السلطة تمريره. ما لفت انتباهي في القائمة المعروفة، ليس حضور أسماء بن بوزيد، ولد عباس، جيار وبركات ولا حتى اسم طبيب أو اسم مترجمة الرئيس. ما لفت انتباهي هو غياب أي اسم لرجل أو امرأة يحمل صفة المثقف أو المفكر الجزائري، مثلما يحدث في أي مجلس شيوخ في الدول التي تحترم شعبها!! قبل سنوات، كان الصراع المحتدم على رئاسة هيئة ثقافية باسم اتحاد الكتاب الجزائريين، قائما على اعتبارات كثيرة، من بينها افتراض أن باب الاتحاد يقود إلى باب مجلس الأمة، وهو ما حدث بالفعل مع السيناتور السابق محمد الصالح حرز الله الذي دخل مبنى زيغود يوسف بعد دخوله مبنى ديدوش مراد بأشهر قليلة، مما حرّك آمال الكثير من الأسماء الأدبية الأخرى التي دخلت إلى الساحة السياسية من باب بيت اتحاد الكتاب أيضا، محملة بإرث الشرعية الثقافية التي كان الاتحاد يمنحها لأعضائه في زمن الحزب الواحد واللجنة المركزية، على حسّ مساعدية والزبيري. اليوم؛ لا أحد يعير اهتماما لمبنى ديدوش مراد، الذي اكتفى ساكنوه الجدد بالتبزنيس المحلي، بعيدا عن تخلاط السياسة وأضوائها، تحت مسمى ”عاش من عرف قدره”. وهو ما يخدم السلطة التي من مصلحتها إبعاد كل من بإمكانه أن يثير التساؤلات ويحرّك الساكن. نعم؛ لقد مارست السلطة في الجزائر، على المثقفين الحقيقيين السياسة ”المكارثية” بامتياز، وهو المصطلح الذي يعبّر عن الإرهاب الثقافي الموجة ضد المثقفين. استخدم مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين، في إشارة إلى جوزيف ريموند مكارثي نائب جمهوري بالكونغرس الأمريكي، مع بدايات عام 1950 أصبح من أشهر الشخصيات العامة في فترة بلغت فيها شكوك المعادين للمفكرين السائرين في الطريق الاشتراكي أوجها. وقد ذاعت شهرته نتيجة ادعائه - بدون دليل - أن هناك عددا كبيرا من المثقفين المتعاطفين مع الفكر الشيوعي داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية، لكن مكارثي وجد حينها من يقف في وجه افتراءاته، حيث أدى نهجه إلى صدور تعنيف رسمي من مجلس الشيوخ الأمريكي بشأنه؛ طعن في مصداقيته أمام الرأي العام الأمريكي. مجلس الشيوخ في بلدنا عاجز يلبس الحفّاظات، فمن يقف اليوم في وجه المكارثية الجزائرية، التي نجحت في إقصاء المثقفين من المشهد العام وتمييع الساحة الثقافية... مكارثية نجحت في أن تحول مجلس العقول (الشيوخ) إلى دار للعجزة ومنتجع مكافأة نهاية الخدمة.