بالرغم من السياسات المنتهجة في قطاع التربية والتعليم من أجل النهوض بالقطاع، ترسيخ مبدأ الإصلاح واعتماد العصرنة ومواكبة وتيرة التحديث على مستوى وزارة التربية والتعليم من خلال التعليمات الموجهة إلى مختلف المديريات عبر التراب الوطني من أجل إحداث قفزة نوعية للنهوض بالمستوى التعليمي، إلاّ أنّ الاصلاح تشوبه الكثير من التناقضات في واقع مريض تفسره الغوغائية والارتجالية. وبالنظر إلى واقع الشأن التربوي بولاية غليزان، وقفنا عند عدة نقاط شملت في المجمل تراب الولاية والتي من المؤكد تعيشها عدة ولايات أخرى، والبداية مع افتقار بعض المؤسسات التعليمية، لاسيما في المناطق النائية إلى الوسائل والتجهيزات وإن كانت في مجملها هشة تعرقل عملية الأداء التربوي والتعليمي، بل أنّ بعض المؤسسات لازال هاجس افتقارها إلى الطاولة والكرسي مشكلا، فما بالك بالتدفئة التي غدت حلما بعيد المنال، فبعض المؤسسات والثانويات ورغم وجود المدافئ بها إلاّ أن بعضها أضحى عرضة للضياع جراء التماطل في ربط الغاز بحجرات التدريس، كما هو الشأن بالنسبة لمتوسطة نوّار عبد القادر والتي تضم 600 تلميذ، ما جعل الأجهزة عرضة للتلف والصدأ مدة 9 سنوات، وهو ما لا يتكيف وبرامج التعليم من أجل تحسين الأداء والدراسة في ظروف مواتية، يقابله عدم تكييف هذه البرامج بالخصوص المواد العلمية واللغات الأجنبية، وهو ما عكستها النتائج الضعيفة في مادة الرياضيات والعلوم الفيزيائية، والتي باتت عبئا ثقيلا على الأستاذ ذاته والتلميذ على حد سواء، حسب ما ما وقفنا عليه من خلال استجواب بعض التلاميذ والإطلاع على نتائج الفصل الأول. وما زاد الأمر سوءا الحجم الساعي الذي يفوق 6 ساعات في اليوم تقريبا، ما يخلق حالة من النفور من الحرم المدرسي بل إن المؤسسة باتت سجنا وهو ما يفسر حالات الضغط النفسي واستفحال ظاهرة العنف المدرسي واستعمال الأسلحة البيضاء، وقد سجلت بعض الحالات آخرها في مقر الولاية طالت حتى الأساتذة، إلى جانب استفحال ظاهرة المخدرات داخل الأقسام في ظل غياب الأمن والإرشاد النفسي وسط المراهقين، وهو ما تفتقر له أغلب المؤسسات التعليمية لاسيما المتوسطات على مستوى الولاية. واشتكى العديد من أولياء التلاميذ من تحول أبنائهم إلى حقل تجارب، وهو مالا يتكيف معه التلاميذ التي أضحت محافظهم تثقل كاهلهم، ومعاناة يومية بالأخص تلاميذ الابتدائي، ما اضطر بعض التلاميذ في المتوسط إلى تقاسم أعباء الكتب والأدوات المدرسية، ناهيك عن احتواء بعض الصفوف على تلاميذ يعانون من أمراض مزمنة كمرض السكري الكلى والقلب. والأخطر في هذا الوضع أن بعض التلاميذ المعاقين جسديا وبالأخص ذهنيا يقحمون دون مراعاة الفوارق إلى جانب التلاميذ العاديين، وقد وقفنا عند بعض الحالات، ما يشكل مشكلا عويصا للتلميذ والأستاذ معا في ظل انعدام التأهيل بالنسبة للأغلبية من الأساتذة، والإلمام التام وما تتطلبه المهنة من شروط علمية ومعرفية وحتى القانونية والمهنية والأخلاقية. وعاد أغلب الأساتذة عبر مختلف الأطوار التعليمية إلى مشكل الاكتظاظ الذي تعدّى في بعض الأقسام 40 تلميذا، ما يطرح عدة مشاكل من بينها ضعف تأطير التلاميذ، تقابلها فوضى البرمجة وغياب التخطيط خاصة خلال فترة الدخول المدرسي، فرغم جهود الوزارة في دعم القطاع على مستوى الولاية بهياكل جديدة، إلاّ انّ المشكل يبقى قائما، ومنها تحويل تلاميذ ثانوية يلل التي عوضت بثانوية سابقة، وتوجيه التلاميذ إلى متقنة البلدية ومدارس ابتدائية بالمنطقة، ما خلق حالة الفوضى في قطاع التعليم وهو أحد أسباب دخول التلاميذ في إضرابات. وفي هذا المقام ما يجب الإشارة إليه، هو أن المديرية تعمل على تعيين بعض الأساتذة، لاسيما في اللغات الأجنبية والرياضيات من غير المتخصصين في المواد، ما سيخلق حالة من التذمر وعدم الاستيعاب وتدني مستوى التلميذ ومستواه. ويظل الدور الذي تقوم به النقابات بمختلف فروعها في التعبير عن انشغالات القطاع فعال، غير أنها تطرح مشكلة عدم استجابة الإدارة لتحقيق أغلب المطالب المرفوعة. وفي المقابل تطرح مسألة التوظيف، وما يعتريها من ”اتهامات بالفساد عن طريق الرشوة والمحاباة التي تكشفها نتائج المسابقات والقوائم الاسمية”، إلى جانب المعايير المعتمدة التي تطرح عدّة تساؤلات والتي باتت مبهمة للعديد من المقبلين عليها. وفي الأخير، تظل مسألة التعليم الشغل الشاغل في ظل غياب إصلاح مبني على الموضوعية ودراسة بحثية بإشراك جميع الكفاءات التي تحذوها نية الإصلاح باعتبار التربية والتعليم أساس ومستقبل الناشئة. طارق رقيق تلاميذها من ضحايا الإرهاب والمعوزين متوسطة عمارة رباح بالبليدة... القبر المنسي يعد حي مرامان من الأحياء الشعبية ببلدية البليدة، ويزاول أبناء الحي دراستهم في الطور المتوسط بمؤسسة عمارة رباح التي يغلب على تلاميذها صفة ضحايا الإرهاب وأبناء العائلات المعوزة، وهو ”ما قد يكون وراء حالة التسيب التي وصلت إليها المؤسسة التي تنعدم إلى أدنى شروط التمدرس بسبب عدم اهتمام المسؤولين بأبناء المعوزين”، حسب اتهامات الأولياء، وهو الحال الذي يستمر منذ سنة 2005 دون أن تتحرك أي جهة لتدارك الأمر الذي فاق التصورات. غياب مطعم وغياب سور خارجي هو أول ما يشتكي منه التلاميذ الذين يقولون إنهم يعانون الأمرين في مؤسستهم التي لا تتوفر حتى على الأمن حتى بداخلها، دون الحديث عن الاعتداءات التي تطالهم والأساتذة أمام المدخل الرئيسي من قبل منحرفين جعلوا من المكان تجمعا لهم. وفي عز البرد، يزاول تلاميذ المتوسطة دراستهم في جو شبيه بخارج القاعات، فبرودة الطقس خارج القسم وداخله سيان، حيث تغيب التدفئة عن المدرسة التي لا تبعد عن مقر البلدية إلا بنحو 5 كليومترات فقط، إلا أنها مسافة كافية لتكون قيد النسيان، حسب ما يرويه الأولياء الذين يقولون إن أبناءهم يعانون جراء ذلكن وهم مجبرون على البقاء بمعاطفهم داخل الأقسام في ظل غياب البديل. ومن النقائص التي تعكّر سير العملية التربوية بهذه المؤسسة النقص الفاضح في المقاعد والطاولات، ناهيك عن فضيحة أخرى تتعلق بحالة دورة المياه الخاصة بالذكور، والتي باتت غير قابلة للاستعمال منذ فترة طويلة، وهو ما جعل استعمال دورة المياه الخاصة بالبنات من الطرفين أمرا حتميا، وأدى إلى وقوع عدد من الحوادث المؤسفة واللاأخلاقية التي مرت مرور الكرام حتى لا تخرج إلى العلن.. معاناة التلاميذ بهذه المتوسطة لم تتوقف عند كل ما سلف ذكره، وإنما امتدت إلى ما يسمى ب”الأشغال الشاقة” أو على الأقل هذا ما يمكن أن توصف به تلك المهام التي توكل إليهم والخاصة بتنظيم حملات نظافة بالمؤسسة، وذلك بسبب أن التأطير في المؤسسة يعرف نقصا كبيرا بما فيها مناصب الأساتذة وكذا المراقبين. حوادث أخرى يعيش على وقعها تلاميذ المتوسطة كالاعتداءات التي تطالهم وتطال الأساتذة على حد سواء، يتورط فيها التلاميذ أنفسهم وحتى حلفاء لهم من أصحاب السوابق خارج المؤسسة، وهو ما يزيد من تعقيد الأمور. ويبقى الأمل قائما في أن تتدارك مديرية التربية بالبليدة هذه الوضعية بإيفاد لجنة تحقيق، لتقصي الوضع في هذه المؤسسة التي لا تفتأ تحقق نتائج سلبية في كل سنة، وهو الأمر الطبيعي بالنظر إلى الظروف التي يزاول فيها الأستاذ مهمته، وتلك التي يتلقى فيها التلميذ تعليمه. محفوظ. أ وجوه تربوية بشير غول: ”فيلسوف الأساتذة جوهرة تبحث عن التألق” متمرد في فكره متقلب في طبعه، متعمق في تحليله، معتدل في سلوكه، متبدل في مزاجه، متحرر إلى حد الخروج عن العرف والتقاليد، ساخط على الجمود، ناقم على التقليد، كاره للتشدد، مغال في جموحه الفكري. مبادئه، سلوكياته، قناعاته، ميولاته واتجاهاته كلها من طبخة فريدة هي طبخة الفلسفة الوجودية. بشير غول، أستاذ للفلسفة بميلة، أحب الفلسفة وتعلق بها منذ أن كان شابا يافعا، علاقته بهذه المادة كبرت معه منذ أول اتصال بها في التعليم الثانوي، ليجد نفسه في العاصمة لمواصلة دراسته الجامعية في كلية الفلسفة، رغما عن أنفه ويتخرج منها بشهادة ليسانس سنة 1980، تأثر كثيرا بأساتذته ومنهم عبد المجيد مزيان ومحمد الزايد فلسطيني الجنسية والثميني، طبعه الاجتماعي ومزاجه الساخر وروحه التي تقطر خفة ولطافة، جعلت منه أحد أكثر الناس شعبوية، لا تكاد تراه وحيدا أو منفردا، ولا يمكن أن تسير رفقته في الشارع دون أن تستوقفك أصوات تلو الأخرى، تناديه ”يا الشيخ” ويرد على الجميع ملوحا بيده أو مبتسما أو ساخرا أو معتذرا لرفيقه الأول، ليكمل الحديث ويفتح موضوعا آخر مع رفيق آخر وهكذا هي أيامه. عفوية منقطعة النظير، لا تلهيه هموم البيت أو حاجياته، ولا تقيده مواعيد، حر هو كما يريد بعد أن أعفى نفسه من كل القيود، رغم أنه أب لثلاثة أبناء، ومسؤولية رب البيت لا تستفزه. بشير غول بدوي مشدود إلى بدويته رغم أنه أكثر الناس تحضرا فكرا وسلوكا ونظرة إلى المستقبل، لكنه مشدود إلى طفولته، تلك الطفولة الحالمة التي قضاها بمسقط رأسه بمنطقة أولاد بوحامة بميلة، تحرسه عيون أمه - رحمها الله - التي لا يزال تعلقه بها شديدا، أمه التي لا يكاد ذكرها يفارقه أينما حل وارتحل، فهي نصب عينيه، يحدث بها ويحدث عنها في كل مجالسه في سمره وسهره وحتى مع تلاميذه، أحبها كثيرا ويصفها بالأمية العبقرية الذكية، وتحمل أفكارا توحي بعبقرية بداخلها، تأسف لها كثيرا وتمنى لو نالت حظها من العلم والمعرفة. هو من مواليد 1954 في بيئة بدوية منحته السماحة واللباقة وليونة الطبع وصفاء السريرة، قال إنه جاء للتعليم ولم يكن ذلك مبتغاه، وإنما الحاجة هي التي ألقت به في بحر التعليم، فكره الموسوعي صعب من مهمته في التلقين، إذ لا يمكن أن يتقيد الأستاذ غول - المتمرد أصلا على كل أنواع القيود - بعناصر محددة ولا بنمطية جاهزة، يفضل دوما الإبحار في عالم الفلسفة الجميل والمليء بروح العبقرية والتطلع،يحب الخوض كثيرا في المسائل الفكرية والدينية والفلسفية. الرفض عنده ناتج عن وضعية سوسيونفسية واجتماعية ثقافية، وتعني التخلص من كل ما هو بائد من طقوس، وتشبث بالقديم والفكر اللاهوتي السائد بكثرة في مجتمعنا، كما يقول، فالتمرد عنده مذهب، ويعني أيضا رفض الاستلاب الثقافي والاجتماعي، وخاصة الرواسب السلبية للثقافة التاريخية. ينظر إلى المجتمع الجزائري على أنه منقوص من حيث البناء الثقافي، وهو مجتمع تحكمه وتسيره المادية الشكلية بمعنى الانتفاع الحيوي للمادة بحسب تعبيره، وينظر إلى المثقف على أنه يعيش الاستلاب والاغتراب والتهميش، ولذلك لم يستطع التفاعل بموضوعية مع الأحداث والتقلبات السريعة، ويرى بأن المثقف هو ليس سوى متفرج وناقذ ذاتي أكثر منه موضوعيا، وينظر إلى رجل التربية على أنه منقوص من العلم والتكوين قبل المادة. ”الشيخ البشير” يتمتع بثقافة واسعة في الأنثروبولوجيا، وميله كبير إلى هذا المجال، يقول إنه اكتسبها بحوافز اجتماعية، ولكونه اصطدم باختلاف الفوارق الطبقية، ما جعله يبحث في السلالات وطبيعة هذه الفوارق، وفي هذا السياق يقول إن أصوله يمنية وهو من غجر الشمال القسنطيني، وأما سكان ميلة فأغلبهم، حسب الشيخ غول، من القبائل الصغرى، ومنهم بني در وبني فتح وأولاد عسكر وبني خطاب، هذه الثقافة جعلته مطلوبا في كل سجال تعلق بالأصول والتاريخ. غول بشير متأثر بابن خلدون في علم الاجتماع وكانط وهيغل وابن عربي وجورجي زيدان وإدوارد سعيد ومالك بن نبي، أمله كبير في التفرغ للتأليف والإبداع، ويعمل على أن يستثمر خبرته في التعليم وتأملاته في الحياة، فهو من طينة المفكرين المشهود لهم لولا الظروف القاسية التي سلبته طموحاته.