(.. هؤلاء الذين يكتمون نفس تونس اليوم، يشتركون مع بن علي في خاصية جوهرية، كلاهما عدو للذكاء التونسي، كلاهما يحب التسطيح، التمييع والجهل. ما يقومون به هو مواصلة لصراع تاريخي، لا يختلف عن الصراع الذي كان ضحيته أبو القاسم الشابي وكتابه ”الخيال الشعري عند العرب”. ولا يختلف عن الصراع الذي كان ضحيته طه حسين وكتبه ”الشعر الجاهلي” و”مستقبل الثقافة في مصر”. هذا الصراع هو تتمة لمعركتهم ضد الطاهر حداد وقبل ذلك ضد الحلاج ولا تختلف محنة العقل التونسي اليوم عن محنة المعتزلة في بغداد على يد أجدادهم الحنابلة.. هو تاريخ ممتد إذن ونحن اليوم في مفترق طرق بعد بداية المسار الثوري الذي لم يشاركوا فيه أصلا... يريدون أن يرجعوا بتونس المحكومة بمنظومة وضعية قانونية عمرها 100 سنة إلى الوراء.. يريدون العودة بها إلى العصور الوسطى، تونس التي أنجبت محمد بن عرفه الورفلي الذي حرّر العبودية قبل a سنة، تونس التي احتضنت أول دستور وضعي في الوطن العربي، البلاد التي أعطت أكبر وأول حركة تنوير دونها الإمام العلامة الطاهر بن عاشور في مدونته النفيسة.. هذه البلاد التي منحتنا هذا الزخم المعرفي الثقافي الكبير الذي يتعارض مع المخطط الظلامي الذي أتوا به.. مخطط لا يؤمن إلا بثقافة الموت والقتل وإلغاء الآخر وتكريس اللون الواحد والرأي الواحد والحاكم الواحد والقراءة الواحدة للنص المقدّس...). هذه الكلمات ليست لأولئك الذين يؤبنون المناضل التونسي المغتال قبل أيام، شكري بلعيد، وإنما هي كلمات مقتطفة من حديث للمغتال بلعيد نفسه، في آخر ظهور له.. ارتأيت أن أنقلها من صوته إلى الورق، حيث أنها تعكس بحق المشهد الذي تعيشه تونس اليوم.. لك الله يا خضراء.. لك الله.