يتشبث نظام بشار الأسد بموقفه تجاه بعثة التفتيش الأممية الخاصة بالسلاح الكيماوي ويصّر على أن تقتصر تحقيقاتها على منطقة حلب، رغم الاتهامات المتوالية من كبرى الدول، آخرها إسرائيل التي أكدت امتلاكها أدلة عن استعمال حكومة الأسد للأسلحة المحظورة، الأمر الذي كثّف مساعي الأممالمتحدة ودعواتها لمباشرة التحقيق في هذه القضية التي تشير كل الاحترازات إلى أنها الذريعة التي ترخّص التدخل العسكري في سوريا تحت مظلة حماية حقوق الإنسان. تتعالى في الآونة الأخيرة الأصوات المنددة بتجاوزات النظام السوري في حق شعبه واتهامه بتقتيل السوريين باستخدام السلاح الكيماوي. فبعد اتهامات المعارضة لحكومة بلادها باستعمالها أسلحة دمار كيميائية ومطالبتها هيئة الأممالمتحدة بفتح تحقيقات في هذا المجال، جاءت بريطانيا لتؤكد ملكيتها لأدلة قاطعة عن هذا الانتهاك الخطير في حق الشعب الأعزل. بريطانيا وإسرائيل تقودان حملة سلاح الدمار ذكرت بريطانيا حيازتها عينات من تراب مدينة حلب المنطقة التي فتحت هذا الملف، وتوالت تصريحات لندن في عديد المرات بهذا الخصوص حيث قالت وزارة الخارجية البريطانية إن لديها معلومات محدودة لكن مقنعة، من مصادر عدة، باستخدام أسلحة كيميائية في سوريا ومن بينها غاز السارين، وعززت توقعاتها على لسان رئيس وزرائها ديفيد كاميرون الذي قال أمس إن الأدلة على استخدام السلاح الكيميائي بسوريا في غاية الخطورة، وأن المعلومات التي جمعت بهذا الصدد تثبت بالحجة والبرهان الانتهاكات الممارسة من قبل الأسد ضد شعبه الأعزل بالدرجة الأولى وضد عناصر الجيش الحر الذين يواجهون السلاح القاتل الذي يعتمده النظام، لكن كاميرون استبعد إرسال قوات بريطانية خاصة إلى سوريا، غير أنه شدد على ضرورة مضاعفة المساعدات للمعارضة عن طريق تدريب عناصرها والدعم اللوجيستي لتوفير ضغط أكبر على بشار الأسد الذي يقود جريمة حرب ضد شعبه حسب ذات المتحدث، وهو الجانب الذي تقف إلى صفه إسرائيل التي أعلنت نهاية الأسبوع امتلاكها أدلة قاطعة على تجاوزات النظام باستعمال السلاح الكيماوي. كما ترجح أطراف أخرى استعمال النظام السوري للسلاح المحظور لكن بدرجات متفاوتة على غرار فرنسا التي تقف إلى جانب بريطانيا في الاتهامات الموجهة لبشار الأسد، فيما تتحفظ أمريكا التي ترى أن المسألة لم يتم تأكيدها بعد، وحذَتْ واشنطن حذو لندن بتصريح وزير دفاعها تشاك هاغل في وقت سابق أن الاستخبارات الأمريكية تعتقد أن الجيش السوري استخدم السلاح الكيميائي بكميات محدودة، وأعلن باتريك فينتريل الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن البيت الأبيض ينوي إجراء تحقيق دقيق بشأن احتمال استعمال الأسلحة الكيميائية في سوريا، مشيرا إلى أن الحل الوحيد بيد محققي الأممالمتحدة. الحليف التاريخي للأسد “الكيماوي ذريعة حرب” تتمسك موسكو برفضها دعم المعارضة بأي شكل من الأشكال كما تتحفظ على صدق الاتهامات التي تواجه حليفها التاريخي على الرغم من تنديدها بما يجري على الأراضي السورية منذ أزيد من سنتين، وتدافع روسيا على خيار الحوار والتفاوض بين التيارين المتنازعين في دمشق، ولم تفلح لقاءات وزير خارجيتها سيرغي لافروف بنظيره الأمريكي جون كيري في تغيير الموقف الروسي الذي بقي مشددا على ضرورة جمع الطرفين على طاولة محادثات مشتركة لفظ النزاع بالطرق السلمية بعيدا عن لغة السلاح. وحذرت موسكو من مغبة استعمال السلاح الكيماوي كأرضية لإجازة خطوة التدخل العسكري الذي تلوح مؤشراته في الأفق، وهو ما ذهب إليه نهار أمس رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي ألكسي بوشكوف الذي قال إن اتهامات الولاياتالمتحدة الموجهة ضد السلطات السورية حول استعمال الأسلحة الكيميائية يمكن أن تصبح ذريعة لبدء حرب، حيث كتب بوشكوف في تغريدة على موقع “تويتر” أن الولاياتالمتحدة شنت هجوما جديدا ضد دمشق باتهامها باستعمال الأسلحة الكيميائية، مسترجعا اتهامات بوش العراق بامتلاك السلاح النووي الذي كان عذره في حرب دمرت بغداد. المعارضة تتمسك بخيط الكيماوي والحكومة تنفي بقيت المعارضة السورية ثابتة على موقفها في اتهامها النظام باستعمال السلاح الكيماوي في حربه الضروس ضد أفراد الجيش الحر، رغم الانقسامات التي تعصف بها، خاصة بعد انسحاب معاد الخطيب من قيادة سفينة الائتلاف ومحاولة الوصول بها إلى بر أمان يضمن لها الدعم من كبرى الدول، إلى جانب الصراع الذي تولد مع تولي غسان هيتو رئاسة الحكومة المعارضة وهو الخيار الذي لم يحصد الإجماع وولّد العديد من الصدامات داخل المعارضة خاصة مع رفض الجيش الحر لشخصية هيتو. ورغم أن تبني القاعدة العراقية لجبهة النصرة السورية خلف بعض الضجيج بشأن المواقف الداعمة للجيش الحر، بتراجع الدول الكبرى المساندة للمعارضة خطوة إلى الوراء محاولة إعادة حساباتها، لكن ذلك لم يؤثر على مواقفها بخصوص استعمال السلاح الكيماوي في دمشق واتهاماتها نظام الأسد باعتماده، الأمر الذي تصر الحكومة السورية على نفيه جملة وتفصيلا وصرحت بذلك في عديد المرات، وهو ما أكده وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أول أمس الذي قال إن الحكومة السورية حتى وإن امتلكت السلاح الكيماوي فإنها لم تستخدمه ولن تفكر في اللجوء إليه مستقبلا، وقال الزعبي في مقابلة مع موقع قناة “روسيا اليوم“ أن هذا القرار ليس مجرد قرار سياسي لأنه يحتكم إلى الأخلاق أولا وأخيرا، وشدد الزعبي على أن الحكومة السورية، وجددت الحكومة اتهاماتها للمعارضة حيث قال وزير الإعلام السوري أن الجيش الحر جرب استخدام السلاح الكيماوي في خان العسل وحلب. الأممالمتحدة تحاول التهدئة بين هذا وذاك وجدت الأممالمتحدة في تجديد دعوتها للأسد بالسماح لفرق التحقيقات الأممية بمباشرة عملها داخل الأراضي السورية الحل الأمثل لإزالة اللبس الموجود وإماطة اللثام عن حقائق استعمال السلاح الكيماوي في الصراع الدائر بين الأطراف المتنازعة في دمشق، حيث جدد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون نداءه العاجل للحكومة السورية للسماح لفريق تابع للأمم المتحدة بالتحقيق بشأن احتمال استخدام الأسلحة الكيميائية في النزاع الدائر في سورية، وكشف مارتن نيسيركي المتحدث باسم الأممالمتحدة، أول أمس، أن بعثة التحقيق جاهزة للانتشار في غضون 48 ساعة وهي في انتظار الضوء الأخضر من النظام السوري، مضيفا أن الأمين العام يأخذ على محمل الجد التقييم الذي أجراه البيت الأبيض بهذا الشأن وأرسله إلى الكونغرس، مؤكدا أن الأممالمتحدة لا يمكنها التعليق على عمليات تقييم تستند إلى معلومات مصدرها أجهزة استخبارات وطنية، وكلفت الأممالمتحدة في ال26 مارس الماضي البروفسور السويدي أكي سيلستروم قيادة فريق خبراء للتحقق من صحة المعلومات المروجة عن استخدام السلاح الكيماوي في الحرب السورية، إلا أن سوريا تقترح أن يجري خبراء روس تحقيقات بشأن ما تردد عن استخدام أسلحة كيماوية. وفي انتظار أن تتفق الأطراف القيِّمة على حل النزاع في الأراضي السورية، تبقى الآلة الحربية تحصد المزيد من الأبرياء في دمشق، التي تجاوز فيها عدد الضحايا ال70 ألف قتيل وتتحمل فيه الثورة السورية أعباء مليون لاجئ محملة بأوزار التفكك المجتمعي ومشاهد عنف أسطورية.