كنت أنتظر ردة فعل أقوى من الإخوان المسلمين على إزاحة مرسي من رئاسة مصر، من طرف الجيش وجبهة الإنقاذ الوطني، لأنه مهما اختلفنا حول طريقة تسيير الإخوان للبلاد، فهو جاء عن طريق الصناديق، وإن كانت الانتخابات لا تأتي بالضرورة بأناس يؤمنون بمبادئها، فكم من دكتاتور جاءت به الصناديق، والدليل على ذلك هتلر. فما كنا نعرفه عن دقة تنظيم الجماعة، لم ينعكس على درجة غضبها على حرمانها مما تراه حقها المشروع، ما يوحي بأن مصر ستتجنب حمام الدم، لكن ليس كما يراه فهمي هويدي الذي رفض مقارنة ما يحدث في مصر بسيناريو الجزائر، وربط ذلك بطبيعة الشعب الجزائري الذي قال عنه إنه صحراوي عنيف، وهو مخطئ في ذلك لأن المعروف عن سكان الصحراء أنهم أناس مسالمون هادئون، وإنما لأن تنظيم الإخوان حتى وإن كان ما زال معتصما في رابعة العدوية مطالبا بعودة الشرعية، لن يغامر أكثر بمصيره ويدخل في حرب يعرف أنها خاسرة منذ البداية، خاصة وأن هناك إجماعا دوليا ساند التغيير في مصر حتى أمريكا التي تحاول أن تظهر بمظهر الرافض للاطاحة بمرسي وتطالب بعودة الشرعية. وموقف المملكة السعودية التي كانت أول المهنئين للسلطة الجديدة في مصر، خير دليل على أن ما حدث في مصر إنما تم بمباركة دولية، بل باتفاق دولي، عكس ما حدث في الجزائر التي قاطعها الجميع بسبب وقفها للمسار الانتخابي. ثم إن أحداث الحرس الجمهوري، أول أمس، وحالات العنف الأخرى التي عرفتها الساحة المصرية إثر إقالة مرسي، ليست دليلا على أنها بداية حرب أهلية. فالعنف والتطرف الديني كان دائما موجودا في مصر، والإرهاب الإسلاموي كان يضرب من حين إلى آخر السياح والمصالح المصرية، بل راح ضحيته حتى الرئيس السادات نفسه. الذي يختلف الآن أن سلوكيات العنف ستجد لها مبررها المنطقي ليس إلا، لكن يبقى على الإخوان الآن إدانة أعمال العنف التي تنسب إليهم لأن محاولة تحميل كل طرف مسؤولية ما يحدث في مصر من مجازر للطرف الآخر، فيما يشبه مقولة ”من يقتل من في مصر؟”، قد تسمح لأطراف أخرى باستغلال الوضع خاصة ما يسمى بالفلول والمنتفعين من عهد مبارك، فهؤلاء يخدمهم الوضع الأمني المتدهور، لأن هذا سيجنبهم المحاسبة في حال توصل التغيير والسلطة الجديدة إلى إعادة سلطة العدالة وفتح ملفات الفساد. لكن إرجاع مصر إلى الطريق السوي مثلما أراده السيسي ومن باركوا خيار تجنيب البلاد الفوضى والطائفية وتغليب مصالح الجماعة على مصالح البلاد التي بدأها الرئيس المعزول قد لا يحصل مثلما يتمناه الملايين الذين خرجوا إلى ميدان التحرير في 30 جوان المنصرم، والبرادعي الآمر الناهي، فاسم البرادعي لدى الكثير من العرب، وخاصة لدينا نحن في الجزائر، يذكرنا بالعراق، والفوضى الحاصلة في العراق أكثر مما يذكرنا بمصر، وبمستقبل آمن لمصر، وهذا ما يجب أن ينتبه له الفريق السيسي والرجال الذين وقفوا موقفا وطنيا وحملوا على عاتقهم هذه المسؤولية الثقيلة، لأن البرادعي ليس هو الخيار الأمثل لمصر. ومن الأفضل إبعاده من أي منصب، هذا إذا كان المشرفون على التغيير يريدون حقا تحقيق إجماع حول قرارهم؟!