كيف يمكن أن تصل الرسالة الصحيحة للأذن الصحيحة؟ المصريون المنقسمون إلى معسكرين كل منهما يشد شعر الآخر، يزداد خلافهم تعقيدا، ويحتاجون إلى من يجرب تفكيك الوضع الطارئ للوصول إلى حل، لأنه مع مرور الأسابيع والأشهر المقبلة قد يصبح صلبا ومعقدا، والحل مستحيلا بتعاظم الصدام. لهذا كانت زيارة كاثرين أشتون، ممثلة الاتحاد الأوروبي، امتحانا لعمق المياه قبل خوض المهمة. الوضع معقد لكنه ليس عميقا أو عسيرا على الحل. فلا المعارضة، أي ”الإخوان”، قادرون بمظاهرات النعوش على إجبار الجيش وبقية القوى على التراجع. أيضا، لم ينجح الطرف الآخر بما حشده من ملايين المتظاهرين ومن دبابات على إجبار ”الإخوان” على القبول بالأمر الواقع. ولا يحتاج الأمر إلى مصادر خاصة لتخيل ما حملته الوسيطة الأوروبية من أفكار. من المؤكد أنها قالت للعسكر أنتم لا تستطيعون إلغاء النظام المعزول هكذا ببساطة، ولا بد أنها قالت ل”الإخوان” أنتم لا تملكون القوة لفرض عودة الرئيس المعزول محمد مرسي لأن الأحداث تجاوزته. والحل المتوقع الذي حملته مصالحة سياسية تقضي بانتخابات مبكرة جدا. لا أتخيل أن هناك أفكارا خطيرة طرحت من قبلها، لغة الجسد والبيانات توحي فقط بالدعوة للتصالح، والتحذير من انزلاق الأمور إلى مرحلة التصادم الكبير. إنما الخشية ليست من الرسائل الواضحة بل من تفسير ما قد يظنه الطرفان رسائل مشفرة. وبكل أسف هذا ما يحدث عادة في المنطقة، حيث يجتهد الجميع في التفسير أكثر مما يحاولون الاستماع بأذنين مفتوحتين. هل يمكن أن يساء تفسير الرسالة البسيطة الواضحة من المندوبة الأوروبية؟ نعم، يمكن أن يقرأ ”الإخوان” قدوم أشتون للقاهرة على أنها رسالة رفض للعسكر والحكومة الانتقالية، وتأييد للوضع القديم، وبناء عليه يزدادون عنادا، وكذلك يمكن للقوى في الحكم، العسكر وشباب ”تمرد” وشيوخ ”الإنقاذ”، على أن أشتون لم تجبرهم على حل، وبالتالي موقفهم قابل للاستمرار من دون تنازل ل”الإخوان”. في مصر الوضع محرج لكنه ليس معقدا جدا، وهو قابل للحل. هناك مساحة فاصلة يمكن الاتفاق عليها بما يحفظ الحقوق، ويحفظ ماء الوجه للطرفين. باستثناء عودة مرسي للرئاسة، وهو مطلب يدرك ”الإخوان” أنه ليس ممكنا، فإن كل شيء آخر قابل للتفاوض. حكومة توافقية، ومرحلة انتقالية زمنية قصيرة، وانتخابات يشارك فيها ”الإخوان”، وتخضع للرقابة الدولية، ثم يذهب كل إلى بيته مدعيا أنه حصل على معظم مبتغاه. من دون ذلك، لن يكون ل”الإخوان” عودة للمشاركة في العمل السياسي المفتوح، ومن دونهم لن تكون الديمقراطية السياسية حقيقية. وهكذا، يمكن الاتفاق أولا على الرغبة في إنهاء الخلاف، فلا يعود مرسي ولا يبقى العسكر ولا عدلي منصور.