تتطلب مهنة مندوب المبيعات الكثير من الشروط التي تمكن صاحبها من العمل بارتياح، لاسيما أن هذه الفئة تعاني من مشاكل عديدة، أهمها صعوبة التعامل مع الناس الذين يشكلون عائقا في وجه هؤلاء الشبان الباحثين عن كسب لقمة العيش في أكثر المهن تطلبا للصبر، قوة الإقناع، ومرونة التعامل مع الغير. هي مهنة المتاعب والصعاب، تحتم على ممارسيها التحلي بالكثير من الصبر في التعامل، وكذا التحلي بشخصية قوية تمكن من الإقناع. ففي الوقت الذي تنتشر البطالة بشكل كبير لا يجد الشبان حلا سوى العمل كمندوبي مبيعات في محاولة منهم لكسب قوتهم، ولو تطلب منهم الأمر التضحية وتحمل الكثير من سوء المعاملة، وأحيانا يصل الأمر إلى حد التحرشات والاعتداءات. الكثير من الشروط وتوفر المقاييس ضروري يشترط في الشاب المتقدم لوظيفة مندوب المبيعات أن يتحلى بشخصية قوية لا يمكن هزها، وكذا المرونة والسهولة في الاتصال مع الآخرين، ومن ثم الصبر وتحمل ردة فعلهم مهما وصلت جرأتها. يقول بوناب عبد الحفيظ، مسؤول عن شركة خاصة بمواد التجميل، أنهم يضعون الكثير من الشروط والمقاييس لكي يختاروا هؤلاء الشبان الذين يمثلون سلعهم ويقومون بتسويقها.. فمندوب المبيعات بالنسبة لهم هو من أكثر الاستراتيجيات التي يتوقف عليها نجاح عملية البيع، لذا نصر على حسن الشكل والمظهر اللائق، وكذا مرونة التعامل مع الناس والصبر في المرتبة الأولى. ويقول (سفيان. ش) المسؤول المباشر عن المندوبين بشركة لصنع منتجات الأجبان، إن مهنة مندوب المبيعات هي فرصة تفتح للشباب العاطل خاصة آفاقا من أجل الدخول إلى عالم الشغل، غير أنها ليست كما يشاع عنها أنها ”مهنة من لا مهنة له”. فعملية الاتصال مع الناس وتكوين همزة الوصل بين الشركة أو المصنع والزبون بشكل مباشر ليست بالأمر الهين، فهم باختصار يقومون بكل من الإشهار، البيع، وتحريك عملية الإنتاج من خلال التعرف على رأي الزبون في المنتوج بشكل مباشر، ما يساهم كذلك في تحسين النوعية والخدمات. ويضيف محدثنا أن الكثير من الشركات تلجأ إلى البيع المباشر للترويج لمنتجاتها لتقليل نفقات التسويق، مقابل نسبة معينة من الربح للمندوب، والتي لا تتجاوز في الغالب 10 إلى 20 بالمائة. البطالة وانعدام البدائل وراء اللجوء لهذه المهنة هي مهنة يعتبرها الكثيرون نتيجة حتمية لنقص مناصب الشغل، وصعوبة الحصول على وظيفة تتناسب مع التخصص العلمي الجامعي، ليجد الشاب نفسه مرغما لا مخيرا لخوض تجربة العمل كمندوب مبيعات، يجوب الشوارع ويطرق أبواب السكان من أجل الترويج أو بيع منتج معين لشركة ما. حسام مهناوي، طالب جامعي أنهى دراسته للتو متخرج من كلية علوم التسيير والاقتصاد يعمل حاليا كمندوب لتسويق آلات كهر ومنزلية بسيطة الصنع والاستعمال. يقول إنه أقبل على هذا العمل كبداية في مجال الشغل، في انتظار الحصول على الوظيفة التي تناسب مجال دراسته. ويضيف أنه من غير الممكن الاستمرار في العمل على هذا المنوال قائلا:”أظل طيلة 8 ساعات يوميا أتجول بين شوارع العاصمة على قدماي، أطرق جميع الأبواب وأتعامل مع جميع الفئات من أجل بيع ما في حوزتي من منتجات، فلا يكاد يمضي نصف الوقت حتى تنهك قواي”. (خالد.س) هو الآخر خريج كلية الإعلام والاتصال يرى أن انعدام البديل هو ما يدفعه وغيره من الشباب للعمل كمندوبين، مشيرا إلى أنه ينتظر الحصول على وظيفة مناسبة في مجال الإعلام أو غيره، بدلا من أن يتجول في الشوارع بحثا عن زبون يشتري منه بضاعته ويضمن له قوت يومه من خلال نسبة الأرباح التي يحصل عليها من خلال كل عملية بيع. مهنة المتاعب تعرضهم للاعتداءات والتحرشات لايزال مندوبو المبيعات في الجزائر يعانون الكثير من سوء المعاملة التي تحمل الكثير من الانتقاص والإهانة لهم من طرف الزبائن المستهدفين، فهم يتعرضون للاستفزاز، الاعتداء، السب والشتم، والتحرشات الجنسية إذا تعلق الأمر بالفتيات. ولأن الكثير من أرباب العمل والمؤسسات يرغبون في تشغيل الفتيات باعتبارهن عاملا مهما في إقناع الزبون ولما يمتلكن في الغالب من قوة حجة وسهولة إقناع، فإن هؤلاء الفتيات يقعن ضحايا معاملات شائنة، لاسيما أنهن تتنقلن بمفردهن عبر الأحياء ويطرقن كل الأبواب وهن يجهلن هوية الزبون وطريقة تفكيره. فالحوادث كثيرة والقصص مرعبة في هذا الصد، منها تلك التي ترويها لنا مريم تفاصيلها قائلة: عملت كمندوبة مبيعات لدى شركة خاصة منذ سنتين بمواد التجميل، وكانت وجهتي يومها أحياء شعبية بباب الوادي، أين قام مجموعة من الشبان بمطاردتي بعد أن طرقت الباب عليهم عارضة عليهم اقتناء ما كان معي لأفاجأ بتهجمهم علي، ولولا أنني هممت بالفرار لوقعت ضحية لهم”. أما فاطمة فتقول من جهتها إنها تستاء من نظرات الناس لها وبعض الجمل المهينة التي يستعملونها، والتي تجعلها تشعر أنها بصدد التسول وطلب الصدقة. وتقول محدثتنا في ذات الصدد:”مهما بلغ إحساس الإهانة الذي أتعرض إليها وأنا أتجول بين البيوت عارضة السلع التي أحملها، فإنه يبقى أهون من نظرات الرجال وتحرشاتهم، ففي اعتقادهم أن الفتيات اللواتي تمتهن مهنة كهذه تتمتعن بنوع من الحرية يفتح المجال لهؤلاء بتقليل أدبهم معهن”، لتبقى هذه التجاوزات النابعة من قلة الوعي وانعدام الأخلاق وراء ترك الكثيرات لهذه المهنة دون رجعة بعد أن سئمن من معاملتهن معاملة بنات الشوارع.