أشارت المخرجة المسرحية شهيناز نغواش، من تعاونية ”الشمعة” للثقافة والفنون لمسرح قسنطينة، إلى أنّ المسرح الجزائري يتميز بالجرأة في الطرح والمعالجة، حيث يوظف أحيانا مصطلحات حادة عكس مسرح الدول العربية الصامت، وخلافا لما يبث من أعمال سينمائي ودرامية على شاشة التلفزيون الجزائري ”الأبكم”، كما وصفته وفي الوقت ذاته تحكمه المحاباة والمعريفة، ما ساهم في إقصاء مبدعين ونصوص مميزة كان لها الحق في التواجد فوق الخشبة أكثر من النص الأجنبي المقتبس أو المترجم. قدمتم، مؤخرا، في إطار مسرح الهواة ال46، مسرحية بعنوان ”خلف الأبواب”، الملاحظ فيها هو الديكور الجميل والمميز، ما سرّ ذلك؟ دعني أقول لك إنّ الأشياء التي رأيتموها على الخشبة لم تخرج عن إطار النص، فالشخصيات التي عاشت داخل القبو وكذا في الحديقة وخيوط العنكبوت وغيرها، كلها من تصوري لنص الكاتب الكوبي خوسي تريانا وإخراج أحداثه إلى الركح في شكل مميز يثير الاهتمام، ويعبر بصدق ويتلاءم مع ما جرى في القصة، وبعدها يتم تحريك الشخصيات والديكور المنوع فوق الركح وفق بعض التقنيات والمفاهيم التي استطعت الوصول إليها في أوّل تجربة إخراج في المسرح. بإمكانيات بسيطة صنعت ديكورا رائعا، ولذا هناك تعاونيات لا تملك الوسائل والإمكانيات ولكن تصعد إلى منصة التتويج. كيف تفسرين ذلك؟ يرجع تتويجها إلى الاحترافية التي تعد طريقة جيدة في العمل وبالتالي هي ليست عبارة عن بناية أو إدارة، بل هي أسلوب خاص ومعتمد في العمال قائم على سنوات من الخبرة، يساهم بشكل كبير في التتويج والحصول على الجوائز مهما كان طابع المنافسة والمتنافسون، بالإضافة إلى وجود نقطة مهمة خاصة بكل تعاونية أو فرقة مسرحية وهي ليست كل تعاونية تنجز قطعة ب5 ملاين أو 1000 دج تكون ناجحة. وبالنسبة لي أنا لم أجرب تلقي دعم من الوزارة. لكن لا يعني أنّه لا توجد فرق لا تأخذ دعم، فهناك من تقدم ملفات إلى الوزارة وتحصل على أموال لاستكمال مشاريعها، وهذا ليس دائما كذلك. أقصد من كلامي وجود تعاونيات تملك في رصيدها صفر دينار ونالت جوائز؟ صحيح هناك من تقدم عملا ولم تستفد من شيء، والدليل مسرحيتي التي كان ديكورها عبارة عن أثاث من الكرتون والورق وبعض القماش، كما لا يمكننا أن نخفي حقيقة وجود عدة فرق تستفيد من دعم الدولة، سواء نجحت أم لا هذا يبقى خاصا بها، ويرجع إلى عوامل هي أدرى بها بغض النظر عن المال والإمكانيات التي تتعلق بالمسرحية. إذا تحصلت على دعم من الدولة بطبيعة الحال لا يمكنك نقد ما تقوم بها الدولة أو الوزارة في مواضيعك التي تطرح مسرحياتك، هل هذا صحيح؟ يجوز قول هذا، لكن يمكنني أن أنقد وأعري الواقع وأنقل حقيقته إلى الجمهور، فلذلك من حقي أن أقول أي شيء وعن أي شيء بدون استثناء شريطة عدم تعدي بعد الخطوط الحمراء التي لا أقبلها حتى لنفسي، ومن هذا المنطلق لي 10 سنوات في مجال العمل المسرحي ولم أسمع عن ممثل مسرحي أو مخرج اعتقل أو تم توقيفه لاسيما سنوات السبعينيات التي كانت فيها حرية التعبير محدودة جدا، عكس اليوم أين نجد نوعا من الحرية والديمقراطية في كل مجال سواء سياسي أو اقتصادي أو ثقافي أو في المسرح. والدليل أننا نلتقي في مهرجانات ثقافية خاصة بالفن الرابع مع فنانين من تونس والمغرب ومصر، حيث يتعجب هؤلاء من طريقة تقديمنا وتناولنا للمواضيع بشكل جريء لا يخلو من الحرية المطلقة على الركح. وهنا أتساءل من خلال الحرية المتاحة لنا في تناول المواضيع المسرحية بجرأة كبيرة، أتسمعها السلطات وتتركنا أم أنّها لا تسمعنا ولا تبالي إطلاقا بما نجسده فوق الخشبة. وفي اعتقادي أنّ الأهم من هذا هو توصيل الرسالة كاملة إلى الجمهور الجزائري مهما كانت ظروف العمل. هل توافقين من يقول إنّ جرأة مسرح الهواة غير ذكية، أي يستعمل خطابات مباشرة عكس المسرح المحترف الذي يقدم ما بين السطور وينجح في إيصال الرسالة؟ أعتقد أن الأمر نسبي وليس مطلق وبالتالي لا يمكن تعميمه على جميع الفرق والتعاونيات المسرحية وكافة الممثلين والمخرجين، باعتبار أنّ هناك من يفضل أن يكون خطابه مباشر ويعتقد بأنّ الجمهور والناس لا تفهمه وهناك من يفضل أن يمرر رسائل من بين السطور، وهذه طريقة عمله، ولذلك أظن أنّ القضية لا علاقة لها بمسرح الهواة أو المحترفين بل تتعلق بالمخرجين وكاتبي النصوص. نعود بالحديث إلى مسرحية ”خلف الأبواب”، ألم تخافي من أن تتعرضي إلى التوقيف بسبب هذا العمل الذي ضم مصطلحات حادة؟ من خلال مشاهدتي لعروض متميزة في المسرح الجزائري كانت أكثر جرأة من مسرحيتي، فأرى أن العرض لم يكن حادا بأتم معنى الكلمة إذا قورن ببعض الأعمال التي رأيتها والتي حملت مشاهد طرحت بشكل جريء خارج عن المألوف. وبالتالي وظفت مصطلحات جريئة ولكن الرسائل كانت تمرّ عبر أسلوب منمق، كما أنوه فقط.. لا أستعمل مشاهد أو مصطلحات أعتقد بأنّها تزعجني كالتي تخدش الحياء أو تمس الدين أو التي تحاول المساس بالأشخاص. ومن هذا المنبر أقول إنّ الموضوع نسبي عند كل مخرج وهذا لا يعني أنني ضد الجرأة أو ضد من يوظف مشاهد وصور جريئة جدا كشرب الخمر أو التدخين فوق الخشبة، فلكل واحد طريقته في العمل ونظريته وفلسفته فوق الركح. على ضوء هذا النقاش، هل يوجد مسرح جريء في الجزائر؟ ربما لا توجد الجرأة التي نبحث عنها، لكن في رأي أنّ المسرح الجزائري يتسم بالجرأة أكثر من الفنون الأخرى كالسينما والدراما الجزائرية، فالتلفزيون الجزائري أبكم ولا يقول شيء، والحمد لله لايزال مسرحنا محترما للتقاليد والعادات والثقافة الجزائرية وهو ما نتميز به عن بعض الدول المجاورة، مثل تونس التي يمرّ النص على السلطات لدراستها قبل خروجه إلى الجمهور خصوصا في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي. يعاني المسرح الجزائري من عديد المشاكل التي تقف عائقا يقف في وجه تطور الممارسين له، فبناء على هذا الوضع ماذا ينقص مسرح الهواة لبلوغ درجة من الاحترافية؟ يجب توفر الوسائل بالدرجة الأولى، وكذا عامل التكوين الذي أفرز تباينا واضحا بين الفرق. فعلى سبيل المثال هناك فرق مسرحية قادمة من الجنوب تفتقر إلى تكوين مهم خصوصا وأنّ معظم الفرق التي صعدت فوق الخشبة فدمت أداء هزيلا ومتواضعا جدا لم تتقن عبره أبسط الأشياء رغم توفر الإرادة التي تحذوهم في إنتاج عمل مميز. وأؤكد أنّ المسؤولية تتحملها السلطات المحلية التي لم تكلف نفسها عناء تقديم الاهتمام والمساعدة وتوفير كامل الإمكانيات لهم من أجل التطور وتحقيق قفزة نوعية، وفي الصدد يبقى معهد برج الكيفان نقطة من بحر لم يقدم ما عليه، ناهيك عن كونه يتخبط في مشاكل هو الآخر. ما هو الحل في رأيك؟ الحل يكمن في فتح معاهد جديدة خاصة بتكوين الفنان المسرحي في كامل مناطق الوطن، بالإضافة إلى إدخال مادة الفن المسرحي في المقررات الدراسية في جميع الأطوار، لاسيما طور الثانوي والمتوسط، حتى يكون التلميذ والطالب على سابق معرفة برواد المسرح وماهية المسرح وغيرها، مثلما هو معمول به في الدول الأجنبية التي تولي أهمية قصوى للفن الرابع من خلال طلبة المدارس في الفعل المسرحي. وهنا أدعو القائمين على الشأن الثقافي في بلادنا إلى ضرورة الاعتناء بالمسرح والعمل على إدخاله ضمن المقررات المدرسية. ألا تعتقدين أنّ أزمة النص المسرحي الجزائري تكمن في إقصاء كتابها كون عديد النصوص المهمة التي تم إنتاجها منذ سنوات وأبرزها نصوص ”الكاكي الذهبي”، لم تبصر النور ولم تجسد في أعمال لحد الآن؟ حسب رأي يغيب الترويح لمن يكتب في الجزائر وللنصوص المنجزة، كما يبرز الإقصاء و التهميش مجددا في كل مرّة نتحدث فيها عن توزع جوائز أو تتويج نصوص ما بجائزة معينة، دون أن ننسى أمور الحسابات التي تدخل فيها طرق تعسفية لاختيار الفائزين كالمعريفة والمحاباة. من جانب آخر يكون للقائمين على هذا الميول أكثر إلى النصوص الأجنبية وترجمتها واقتباسها لأنها بكل بساطة تدر عليهم أموالا، دون اللجوء إلى النصوص الجزائرية التي لا يرون فائدة من التعامل مع كتابها فالأمر مبني على الربح المالي لا غير. إلى جانب غياب المصداقية في توزيع الجوائز واختيار النصوص التي تستحق نيل الجائزة وهي أمور مسلم بها في الجزائر. بعد ”خلف الأبواب” هل لديك مشاريع مستقبلية؟ نحضر لمسرحية سنشارك بها في مهرجان المسرح النسوي بعنابة السنة المقبلة، فلدينا النص وننتظر فقط الشروع في تجسيده على الركح بمشاركة غير مؤكدة لكل من الممثلتين موني وصبرينة قريشي.