عندما نتطلع إلى إصلاح العالم قريبه وبعيده ونتغافل عن إصلاح بلدنا فإن مساعينا خائبة لا محالة، ومن الحكمة أن نوازن في نقدنا ونظراتنا الإصلاحية بحيث لانميز ولا يكون هناك أولوية في موضوع ما على حساب موضوع آخر، وليس عيبا أو خطأ أن نكون إصلاحيين بشكل مجرد وبشكل صحيح، فالمصلح يكون مصلحا أينما وجد وأينما حل والأرض التي نحيا فوقها نستظل بسمائها ونرتزق من أرضها ونعتاش من خيراتها، تستحق منا أيضا كل عناية واهتمام، وهذا الكلام مقدمة للحديث عن البيروقراطية في الجزائر تلك البيروقراطية التي أفسدت الإدارة وأفسدت الحياة العامة وجعلت المواطن يعيش في دوامة لا يكاد يعرف طرفيها ولا سبل الخروج منها، وهو بسببها قد تعثر في مسيرته وقل إنتاجه وساء معتقده وفسدت نظرته للأشياء وأحبط في كل أنشطته ومحاولاته لبناء نفسه ومستقبله وبالتالي بناء وطنه، فالنظام الإداري في الجزائر منذ أن غادرتنا فرنسا وهو على حاله لم يتبدل ولم يتغير في الوقت الذي لم يعد من آثاره شيء في بلد المصدر ونعني فرنسا لأن فرنسا تعمل دائما على التجديد والتجدد والتغيير والتطور أما نحن فما زلنا كما كنا، ونحن ندرك أن ما بين أيدينا لم يعد ينسجم مع طبيعة العصر ولم يعد متناسبا مع طبيعة التطور الحضاري الذي لف العالم وسوف نبدأ اليوم بموضوع الدوام وننتقل بعد ذلك إلى ما سواه فدوامنا مازال يعتمد نظام الفترتين وهذا يعني فيما يعنيه أننا نأكل من كل فترة ما يليق ب ” طموحاتنا ” الشخصية وعدم التزامنا بالصالح العام خاصة وأن التسيب الوظيفي يكاد يكون فيروسا ينتشر في أوساط رجال الإدارة بدون تمييز وبسرعة، فنحن نتخلف عن الحضور صباحا بحجة ازدحام المرور والحجة مبررة لأن الازدحام فعلا لا يسمح بالوصول في الوقت المناسب والتسامح مع الموظف مبرر ولكنه يتحول إلى رخصة عامة نسيء فهمها وتصبح عرفا له قوة القانون والإلزام فمعنى هذا أن ساعة من الدوام في حكم الساقط من الفترة الصباحية، وما أن ندرك الحادية عشر حتى يبدأ تفكيرنا بالفطور ويبدأ خروج الموظفين وكل حسب أهميته بالتبكير، وفي الحادية عشر والنصف من المستحيل أن نجد موظفا في مكتبه أو في مقر عمله، أما العودة فإنها تبدأ مابين الواحدة والثانية وكثير من الموظفين وخاصة الكبار نسبيا من النادر أن يعودوا إلى مراكز عملهم، ولو أجرينا إحصائية لعرفنا أنه على أقل تعديل فالوقت الساقط من الدوام يصل إلى ثلاث ساعات على أقل تعديل، والذي يريد التأكد من هذا فلينزل إلى الميدان وهنا نتساءل عن الحل لنقول وببساطة إنه الدوام المتصل من الثامنة حتى الثالثة، وكثير من بلدان العالم تعمل بهذا النظام فلماذا لا نستفيد منه ؟ ويبقى السؤال مطروحا حتى نجد الجواب الكافي الشافي عليه.