جنيف يعقد وجنيف لا يعقد ولكل من الاحتمالين مبرراته ومعطياته، وتكاد تتعادل كفتاه من حيث السلب والإيجاب، فيقول البعض بأنه لن يعقد وعلى الأقل في الأزمنة التي حددت أو تحدد بمعنى أنه قد يعقد ولكن في زمن متأخر، بحيث يكون عدد آخر من الضحايا قد التحق بقائمة الشهداء والجرحى والمشردين ويقول البعض بأنه لن يعقد على الإطلاق بانتظار أن يحقق كل طرف المزيد من النجاحات والتقدم ميدانيا، وهذا الأمر صعب بالنسبة لعصابات المسلحين الذين تلقوا ضربات قوية متتابعة من النظام، غير أن الجهات الإقليمية التي تمني نفسها بتغيير التوازنات لصالح أتباعها الذين ترعاهم على ضوء ما تقدمه من دعم مضاعف لهم، وهي بالتالي غير مستعجلة وعلى ضوء هذا وذاك ماعساها تكون المحاولات الأمريكية ومعها إسرائيل ؟ للجواب على هذا لابد من الإشارة إلى أن إسرائيل ومعها حليفها الخليجي الذي لم يعد مستورا تؤكدان على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد، أما أمريكا فإنها وإن عبرت علنا عن رغبتها في الحل السياسي إلا لأنها لا تبعد عن حليفتيها المشار إليهما باطنا ولكنها تتقلب وتعتمد الأسلوب الحربائي المتلون والمتقلب على عادتها، فهي تعلن أن لديها معلومات مخابراتية تفيد بان سوريا لم تبلغ عن كل مخزونها من الأسلحة الكيماوية، على خلاف ما أكده الروس وهذا يعني أنه ليس من المستبعد أن تعمل بسبب ذلك الطرح المشبوه على تمديد أجل انعقاد جنيف 2 أو المماطلة في ذلك وعرقلة انعقاده، بحيث تضيف إلى المعارضة المنقسمة سببا ولو للتأجيل، وبين هذا وذاك فإن السلطة السورية تعلن أنها لن تجلس مع القتلة وهذا حق مشروع من حقوقها لأنها تعني بهم المسلحين وهؤلاء ليسوا في أغلبيتهم من السوريين، فكيف لها أن تجلس مع شذاذ الآفاق كالقاعدة والنصرة وداعش ؟ وهي إنما تجلس مع المعارضة العلمانية غير المسلحة، وهذا ينسجم مع الرغبة المعلنة رسميا لكثير من الدول ومنها أمريكا (المراوغة) ولكن المعلن شيئ والباطن شيئ آخر، أما المعارضة المسلحة وغير المسلحة إلى حد ما فهي لا يمكن أن تكون صاحبة قرار فقرارها كما هو معلوم مرهون لمقدمي السلاح والمال والتدريب والدعم، ولذلك نرى هؤلاء وهم يطرحون شروطا تعجيزية ولا أخلاقية فهم عندما يشترطون رحيل الأسد أو ضمان رحيله، فهم في الواقع يشترطون هزيمة النظام وانتصار المعارضة وهذا مالم يتحقق ميدانيا كما يعلم القاصي والداني، ولو كان تحقق شيء من هذا فإن الأمر عندئذ يحسم لصالح المنتصر ولا حاجة عندئذ لجنيف واستوكهولم، وهنا يرى المراقبون أن جنيف لم يعد بالأمر القريب انعقاده وربما كان الأخضر الإبراهيمي على قناعة بذلك لأنه يتحدث وباحتشام عن خلافات وانقسامات المعارضة وعجزها حتى الآن عن الإتفاق حول الأسماء المرشحة للمشاركة، وهي لذلك تلوح بالشروط التعجيزية وفي انتظار المعجزة فإن الأيام القليلة المقبلة قد تحمل الجديد في الأمر فلننتظر وإن طال الانتظار، فلابد للفارس من أن يترجل أخيرا.