أكد مختصون في أدب الطفل أن ما يتم تداوله من أعمال أدبية موجهة لفئة النشء تفتقد للجانب الأكاديمي الذي يعتبر جوهر هذا النوع من الفنون الأدبية، واعتبر هؤلاء أنه من الضروري توفر هذا الجانب في ما يطبع بخصوص هذه الفئة العمرية. وكان المشاركون في اللقاء الذي احتضنته مؤخرا جامعة الدكتور يحي فارس بمعية مديرية الثقافة لولاية المدية، ضمن فعاليات الملتقى الوطني الخامس لأدب الطفل الذي جاء تحت شعار ”الطفولة الثقافة والتعليم بين ظلمة الاستعمار ونور الاستقلال”، وهذا بحضور نخبة من المفكرين والدكاترة والأساتذة الجامعيين، ويهدف إلى التعرف عن كثب على المخلفات السلبية للمشروع الاستعماري في مجالي الثقافة والتعليم، إلى جانب التأكيد على مركزية مرحلة الطفولة في الفعل التثقيفي والتّربوي في مشروع جزائر الاستقلال وتفعيل ثقافة وهوية المجتمع الجزائري في البرامج التعليمية والتثقيفية من أجل تربية الطّفل تربية متكاملة. وقد حاول المشاركون في اللقاء معالجة إشكالية البحث عن المفهوم الذي يمكن اعتماده في الثقافة والتربية بصفة عامة وثقافة وتربية الطفل بصفة خاصة على ضوء العديد من المحاضرات والورشات التي نظمت بذات المناسبة، كما سطر المشرفون على هذا الملتقى زيارة إلى المتحف الوطني للفنون والتقاليد الشعبية بوسط مدينة المدية، وتأتي هذه الأسئلة من منطلق أن الثقافة في صلبها هي عمليات بناء شخصية الإنسان في مراحل حياته وجوانبها، لتحقيق أقصى ما يمكنه تحقيقه من الكمال الروحي والوجداني والجسمي والعقلي، وتتضمَّنُ التنشئة والتعليم والتّدريب والنّمو الذّاتي، فالإنسان، كما يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، ”لا يصير إنساناً إلاّ بالتّربية، فهو ليس سوى ما تَصْنَعُ به التّربية، ولا بدّ من تأكيد ملاحظة أن الإنسان لا يُربَّى إلا من قبل أناس، ومن قبل أناس رُبّوا هم أيضا”، وتجب الإشارة إلى أن الاحتلال الفرنسي مارس سياسة التجهيل الممنهَج ضد المجتمع الجزائري، وهذا ابتداء من سنة 1830، في محاولة لطمس معالم الشخصية الجزائرية والثوابت والقيم الوطنية، من خلال المناهج والمقررات الدراسية والمشاريع الثقافية ومن خلال، أيضا، إسكات صوت الجزائريين (تعليق الجرائد والمجلات، توقيف الجمعيات والنوادي الثقافية، ومراقبة العروض المسرحية وملاحقة الفنانين) وبعد الاستقلال وكردّ فعل على هذا الواقع الاستعماري الظالم، سارعت الدولة الجزائرية إلى تعميم التعليم على كل أبنائها وبناتها مجانا، وفتح الفضاءات الثقافية وفسح المجال أمام الحركة الجمعوية لرأب الصدع وردم الهوة، وأولت أهمية خاصة لمرحلة الطّفولة؛ كونها المرحلة التي تتحدّدُ فيها الخريطة الفكرية والجسمية والسلوكية لإنسان المستقبل، من منطلق اليقين بأنه على قدر الاعتناء بهذه المرحلة وإيلائها الظّروف النّفسية والاجتماعية والمعرفية الأقوم، على قدر ما يحصل من توازن اجتماعي وخميرة صالحة لصناعة أشخاص يختصُّون بالإبداع والابتكار والعبقرية هذه الإشكاليات وغيرها.