كلما تكاثرت المخاوف وتنامى القلق بسبب وباء فاتك أو حرب مدمرة أو كارثة طبيعية، زلازل أو براكين أو نيازك تضرب الأرض، يعجز الإنسان عن التفسير العادي للأشياء، ويصبح الذهاب للتفسير الغرائبي هو الملاذ البديهي للناس الحيارى. قبل فترة كتب الباحث الأميركي، كينيث والترز، مساعد العميد وبروفسور متخصص في العهد الجديد في جامعة أزويا باسيفيك، مقالة نشرتها خدمة ”سي إن إن” العربية، تناول فيها ظاهرة فلكية تتعلق بالقمر سماها ”قمر الدم” وأشار فيها إلى التفاسير الميثولوجية الغرائبية لها في المصادر القديمة. الخلاصة المخيفة هي أن التأويلات القديمة تتحدث عن أن هذه الظاهرة ”قمر الدم” تعني قرب نهاية العالم.. على الأقل هذا ما يظنه بعض المسيحيين. حسب والترز فإن هذا النوع من الخسوف المعروف باسم ”قمر الدم” يتلون فيه القمر باللون الأحمر عندما تتوسط الأرض القمر والشمس، خلال هذا الخسوف ينعكس ظل الأرض على القمر مختلطا بضوء الشمس لينتج اللون الأحمر. يردد المسيحيون عند هذه الظاهرة مقطعا من ”سفر الأعمال”، الفصل الثاني، جاء فيه: ”وأعطي عجائب في السماء من فوق وآيات على الأرض من أسفل: دما ونارا وبخار دخان.. تتحول الشمس إلى ظلمة والقمر إلى دم، قبل أن يجيء يوم الرب العظيم الشهير”. قام الإيفانجليكي الإعلامي والقسيس الشهير في كنيسة كونرستون في سان أنتونيو بتكساس، جون هاغي، بسلسلة من المحاضرات بعنوان ”نبوءات القمر الأحمر”، وبنى على هذه المحاضرات كتابه بعنوان: ”أربعة أقمار حمر: هنالك ما سيتغير قريبا”، وفيه يقول إن خسوف القمر يتقدم ”حدثا يمكنه أن يهز العالم”، وإن هذا الحدث سيقع في الشرق الأوسط ما بين أبريل (نيسان) عام 2014 وأكتوبر (تشرين الأول) عام 2015. هذه المواقيت الزمانية الملحمية المنبئة بقرب الكارثة ونهاية العمران البشري تتكرر كل آونة، من نهاية الزمان 2012 وفق تقويم حضارة المايا، إلى نهاية الزمان مع بداية الألفية، وغيرها. عادة تكون هذه التوقعات الملحمية متزامنة إما مع حالات الكوارث التي تمر بالناس، إما من صنعهم كالحروب، وإما من صنع خارجي، مثل كوارث الطبيعة. وأحيانا تكون بإغراء الرقم التاريخي، مثل الألف، وإما بغرض كسر الملل. غير أنها تصبح توقعات خطيرة وفاعلة على الأرض حينما تقتنع بها أمة من الناس ويتماهون معها بأفعالهم وسلوكهم وجرائمهم، مثل جماعة معبد داود بأميركا، أو جماعة جهيمان التي توهمت أن المهدي المنتظر موجود معهم فاحتلوا الحرم المكي نهاية 1979، أو مهاويس الإرهابيين الآن في سوريا والعراق الذين يظنون أن قائدهم قد أشير إليه في الأحاديث والمأثورات القديمة. قمر الدم هذا ليس إلا تنويعة جديدة قديمة من هذه التنويعات التي تغرف من نبع موغل في العمق النفسي للإنسان الذي لا يريد مواجهة نفسه وتحمل قسطه من المسؤولية عن جناياته.. الدم المراق من فعل البشر، والقمر بريء.